خلايا مناعية تُضمّد الجروح بمادة لاصقة تحبس البكتيريا

كشفتْ دراسة جديده لباحثين في كلية الطب بجامعة ييل في الولايات المتحدة، أن الخلايا المناعية على سطح الجلد تُنتج «ضمادات» خاصة بها لمنع البكتيريا الضارة من الانتشار من موقع الإصابة. ووجد الباحثون أن خلايا الدم البيضاء التي يُطلق عليها خلايا «العَدِلات» تكوّن حلقة من «المادة اللزجة» الغنية بالبروتين حول المناطق تعرّض فيها الجلد للاختراق بهدف لاحتجاز مسببات الأمراض.
حاجز لزج مضاد
ويُعرف عن خلايا العَدِلات أنها أول ما يستجيب لمواقع العدوى والإصابة، إذ تقتل المُمْرِضات بالتهامها أو بإفراز السموم. وتُبيّن الدراسة أنه عقب الهجمة الأولى تنتشر موجة ثانية من خلايا العَدِلات لتشكيل حاجز لزج.
وقال الدكتور ألاز أوزكان من كلية الطب بجامعة ييل وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة التي نُشرت في مجلة Nature في 19 مارس (آذار) 2025، أنه لطالما اعتُبرت الخلايا المتعادلة أو العدلات Neutrophils خلايا تُساعد على التغلب على العدوى وهي موجودة في بيئة الالتهاب. وأضاف: «وجدنا أن هذه ليست الحالة الوحيدة. فهي موجودة في الأنسجة السليمة وتُساهم أيضاً في الحفاظ على سلامة تلك الأنسجة».
وبالتعاون مع باحثين من ست دول مختلفة اكتشف الباحثون أن العدلات لدى الفئران لا تقتصر على وجودها في الجلد السليم غير المصاب بالعدوى فحسب، بل تُفرز أيضاً بروتينات المصفوفة matrix خارج الخلوية مثل الكولاجين collagen والفيبرونيكتين fibronectin. (والمكونات الرئيسية للمصفوفة خارج الخلية هي الغليكوبروتينات التي تفرزها الخلايا).
وتُشكل هذه البروتينات الشبكة الهيكلية التي تدعم خلايا الجلد وتحافظ على سلامته وهي وظيفة كانت تُعزى سابقاً إلى الخلايا الليفية فقط.
وقال الدكتور أندريس هيدالغو أستاذ علم المناعة في كلية الطب بجامعة ييل وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة إن العدلات أشبه بشخص متعدد المهارات، فهي بارعة جداً في القيام بمهام جديدة وفي الجلد تتمثل هذه المهمة في بناء المصفوفة.
وقد لاحظ الباحثون أيضاً إيقاعاً يومياً مثيراً للاهتمام في سلوك العدلات. حيث تزداد أعداد العدلات في الجلد خلال ساعات الاستيقاظ، مما يؤدي إلى مزيد من الصلابة والمرونة في الجلد. وفي المقابل تنخفض أعدادها خلال فترات الراحة ويصبح الجلد أكثر ليونة.
وقد تضاعفت صلابة الجلد تقريباً بين الليل والنهار لدى الفئران متبعةً نفس نمط تسلل العدلات. وهذا ما يوفر ميزة تطورية من خلال توفير جلد أكثر صلابة خلال ساعات النشاط ما قد يحمي من الأضرار البيئية.
ويعتقد الباحثون أن ظاهرة مماثلة تحدث على الأرجح لدى البشر حيث تتبع العدلات لدى البشر أيضاً نمطاً يومياً. وتدعم أدلة إنتاج العدلات البشرية للمصفوفة خارج الخلية هذه النظرية بشكل أكبر.
التئام الجروح ودرء العدوى
كما تسلط الدراسة الضوء أيضاً على أهمية العدلات في منع العدوى وتسهيل التئام الجروح. إذ تُشكل العدلات التي تُنتج بروتينات المصفوفة خارج الخلية حاجزاً مادياً يُعزز دفاعات الجلد ضد أنواع الميكروبات الغازية.
وفي التجارب التي شملت جروحاً صغيرة على آذان الفئران استجابت العدلات بسرعة بتعزيز المنطقة المصابة بالمصفوفة خارج الخلية، مما يمنع مسببات الأمراض من الدخول. وقد تتضاءل هذه الوظيفة الوقائية بالنسبة للأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة وانخفاض في مستويات العدلات، مما يؤدي إلى تأخر التئام الجروح وزيادة مخاطر العدوى. وأشار أوزكان إلى أنه من دون المصفوفة التي تنتجها العدلات يصبح الجلد أكثر ارتخاءً ونفاذية مما يزيد من قابليته للعدوى.
وتقدم هذه النتائج رؤى جديدة حول سبب معاناة الأفراد المصابين بقلة العدلات من بطء التئام الجروح وتكرار العدوى. وبناءً على ما تقوله نيكي موتسوبولوس أخصائية المناعة السريرية في المعاهد الوطنية للصحة بولاية ماريلاند في الولايات المتحدة التي لم تُشارك في البحث إلى أن الأشخاص المصابين بقلة العدلات يميلون إلى الإصابة بجروح فموية وقرح جلدية وتأخر التئام الجروح والتي كانت تُعزى سابقاً فقط إلى ضعف المناعة. ومع ذلك تشير هذه الدراسة إلى أن نقص إنتاج الكولاجين وعدم كفاية تكوين الحاجز قد يُسهمان أيضاً في هذه المشكلات.
إن اكتشاف هذا الدور الثانوي للعدلات يفتح آفاقاً محتملة لعلاجات تُعزز التئام الجروح وخاصةً للأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. ويمكن أن تؤدي المزيد من الأبحاث إلى علاجات تُحاكي أو تُحفز قدرات العدلات على إنتاج الكولاجين، مما يُعزز دفاعات الجسم الطبيعية.
وأخيراً، تُذكّرنا الدراسة بقدرة الجسم المذهلة على حماية نفسه حتى أصغر الخلايا المناعية تعمل كبناة ومدافعين ومعالجين في آنٍ واحد.