لماذا تراجع ترمب في اللحظة الأخيرة وقرر تعليق الرسوم الجمركية؟

تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، عن سلسلة من التعريفات الجمركية القاسية التي تستهدف الأصدقاء والأعداء على حد سواء، في محاولة جريئة لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.
فلماذا تراجع في اللحظة الأخيرة؟
جاء إعلان ترمب في وقت مبكر من بعد الظهر، في أعقاب أسبوع مروِّع حذّره فيه المشرّعون الجمهوريون والمقربون منه بشكل خاص من أن التعريفات قد تُدمر الاقتصاد.
أثار مساعدوه بهدوء مخاوف بشأن الأسواق المالية، قبل أن يعلق نظام التعريفة الذي كشف عنه قبل أسبوع واحد فقط في حفل حديقة الورود.
وارتفعت سوق الأسهم مباشرةً بعد هذا التغيير، منهيةً أياماً من الخسائر.
قبيل إعلان ترمب عن قراره، كان بعض مستشاريه في حالة من الذعر بشأن أسواق السندات، حسبما صرَّح مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لشبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية الشريكة لشبكة «سكاي نيوز».
فقد ارتفعت أسعار الفائدة على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، على عكس ما يحدث عادةً عندما تنخفض أسعار الأسهم، ويسعى المستثمرون إلى الأمان في سندات الخزانة.
وكانت هذه الديناميكية غير المعتادة تعني أنه في الوقت نفسه الذي يُمكن أن تدفع فيه التعريفات الجمركية الأسعار للارتفاع، سيدفع الناس مزيداً من الأموال لشراء المنازل، أو سداد ديون بطاقات الائتمان بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. كما أن الشركات التي تتطلع إلى التوسع ستدفع أكثر للحصول على قروض جديدة.
وقال المسؤول في الإدارة الأميركية إن اثنين من كبار مستشاري ترمب، وهما وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، قد قدَّما جبهة موحدة يوم الأربعاء، وحثَّاه على تعليق الرسوم الجمركية في ضوء سوق السندات.
وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن ترمب عن وقف مؤقت لمدة 90 يوماً، قال إنه سيستخدمه للتفاوض على صفقات مع عشرات الدول التي أبدت انفتاحها على مراجعة الشروط التجارية التي يدعي أنها تستغل الشركات والعمال الأميركيين.
أحد الاستثناءات هي الصين، فقد رفع ترمب التعريفة الجمركية على أكبر منافس جيوسياسي لبلاده إلى 125 في المائة، في إطار تصعيد متبادل في حرب تجارية آخذة في التطور.
غيَّر ترمب مساره بعد أسبوع واحد من ظهوره في حديقة الورود، وكشفه عن خطته لإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة. وأعلن ترمب وهو يعرض رسماً بيانياً يوضح الرسوم الجمركية الجديدة المرتفعة التي ستواجهها الدول: «إخواني الأميركيين، هذا هو يوم التحرير».
لكن لم يدم ذلك طويلاً، فقد هوت الأسواق تحسباً لتصاعد الحروب التجارية، ما أدَّى إلى القضاء على ثروات تُقدر بتريليونات الدولارات.
الديمقراطيون يحاولون استغلال ما حصل
وقد استغل الديمقراطيون هذه القضية، متطلعين إلى تقويض أحد مصادر جاذبية ترمب الشعبية، وهو الرأي القائل إنه يمكن الوثوق به في توجيه اقتصاد البلاد.
وقال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، يوم الأربعاء في مجلس الشيوخ قبل ساعات من تراجع ترمب: «لقد أدَّى انهيار السوق الذي تسبب فيه دونالد ترمب إلى تبخير مبلغ ضخم قدره 104 آلاف دولار من حساب التقاعد العادي».
وقد كشفت هذه الحادثة عن الخلافات داخل فريق كبار مستشاري ترمب؛ حيث كافح البيت الأبيض لتقديم حجة واضحة ومتسقة حول مدة الرسوم الجمركية.
وفي حين بدا بيسنت منفتحاً على المفاوضات، بدا أن بيتر نافارو، وهو مستشار تجاري كبير، يتخذ موقفاً أكثر تشدداً.
وكان إيلون ماسك، قد وصف نافارو بأنه «أغبى من كيس من الطوب»، في حين وصف نافارو ماسك بأنه مجرد «مُجمِّع سيارات، في كثير من الحالات».
لكن الدراما التي استمرت أسبوعاً كاملاً أكدت أيضاً خطورة عملية صنع السياسات التي غالباً ما تكون مرتبطة برغبات وتقلبات رجل واحد: دونالد ترمب.
تميل الأسواق إلى تفضيل القدرة على التنبؤ، وكذلك الأمر بالنسبة لقادة الأعمال الذين يقررون أين يبنون مصانع جديدة. ومع ذلك، عندما يُحدد ترمب مساره، فلا بد أن تكون هناك انعطافات.
وقال أحد أصدقائه، الذي تحدَّث معه في الأيام الأخيرة، إن ترمب لم يُعطِ أي إشارة على أنه على وشك «التراجع سريعاً عن هذه الأمور».
وقال هذا الشخص إن ترمب يعتقد أن الدول الأخرى تتاجر بشكل غير عادل، ويرى أن التعريفات الجمركية أداة لجعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة.
وأضاف الشخص، الذي تَحدَّث شرط عدم الكشف عن هويته: «إنه واثق جداً بأن هذا الأمر سينجح معه».
ومع ذلك، في الفترة التي سبقت إعلان الأربعاء، كان ترمب ومساعدوه يستمعون أيضاً إلى مشرّعين من الحزب الجمهوري وحلفاء خارجيين يحثون على مسار بديل.
وكان من بينهم لاري كودلو، الذي يقدم برنامجاً على شبكة «فوكس بيزنس نتورك» وكان مستشاراً اقتصادياً بارزاً في فترة ولاية ترمب الأولى.
قال كودلو لشبكة «إن بي سي نيوز» إنه أجرى محادثات «مستمرة» مع الأصدقاء في الجناح الغربي حول الحاجة إلى التفاوض مع الدول الأخرى، قبل أن تصفعهم الولايات المتحدة بتعريفات جمركية قائمة إلى الأبد.
ووصف كودلو الخطوة التي اتخذها ترمب يوم الأربعاء بأنها «رائعة». وأضاف: «عقد الصفقات هو أفضل شيء يمكن القيام به. ففي الساعات الـ48 ساعة الماضية، انتقل ترمب من عدم التفاوض إلى التفاوض. من الواضح جداً أن بيسنت هو الآن رجل المرحلة في مجال التجارة. واضح جداً».
الجمهوريون قلقون أيضاً
كما أبدى المشرعون الجمهوريون القلقون من الحزب الجمهوري رأيهم أيضاً.
وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إنه تحدَّث إلى ترمب مطولاً ليلة الثلاثاء، وأخبره بأنه سمع من مصنعي السيارات الذين يشعرون بالقلق بشأن كيفية تأثير الرسوم الجمركية على أعمالهم. وتدير شركة «بي إم آي» مصنعاً في ولاية غراهام، وهي إحدى الشركات التي قال إنه تحدث إليها.
كما قال السيناتور جون كيندي، وهو مشرع جمهوري كان على اتصال بالإدارة الأميركية، يوم الثلاثاء، إنه يعتزم تناول الغداء مع بيسنت. وفي يوم الأربعاء، أخبر شبكة «إن بي سي نيوز» بأنه كان يتحدث أيضاً مع البيت الأبيض.
وشبّه كيندي ترمب بـ«الثور الذي أمسك بالسيارة». وقال إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي ستفعله بالسيارة؟
ترمب يُعيد التفكير
بعد مزيد من الخسائر في السوق هذا الأسبوع، ومع تصاعد الضغوط من الجمهوريين في الكابيتول هيل، بدأ ترمب إعادة التفكير.
في فترة ولايته الأولى، غالباً ما كان ينظر إلى تقلبات سوق الأسهم صعوداً وهبوطاً بوصفها نوعاً من بطاقة تقرير عن فترة رئاسته، محتفياً بصعودها. وقد لفت انتباهه هذا التراجع.
واعترف يوم الأربعاء في حدث مع أبطال سباقات ناسكار: «كان الناس يشعرون بالغثيان قليلاً». وقال للصحافيين في وقت لاحق من اليوم في ظهور له في المكتب البيضاوي: «خلال الأيام القليلة الماضية» بدأ يُفكر بجدية أكبر في إيقاف الرسوم الجمركية الإضافية.
وقال المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية إن أحد الاحتمالات التي أثارت اهتمامه هو التفاوض شخصياً على صفقات تجارية جديدة مع الدول التي تتطلَّع إلى الخروج من تحت التعريفات الجمركية.
لقد اتخذ قراره. وبجلوسه مع بيسنت ولوتنيك، قام بصياغة المذكرة التي أعلن فيها عن التأجيل لمدة 90 يوماً وإنهاء أكبر أزمة اقتصادية في الوقت الحالي في فترة رئاسته الشابة.
«لقد كتبناها من قلوبنا، أليس كذلك؟» قال ترمب. «لقد كتبناها بوصفها شيئاً أعتقد أنه إيجابي للغاية بالنسبة للعالم ولنا، ولا نريد أن نؤذي الدول التي لا تحتاج إلى أن تتأذى، وجميعها تريد التفاوض».
وأغلق اليوم مع ارتفاع مؤشر «داو جونز» الصناعي بنسبة 8 في المائة تقريباً، ماحياً بعض -ولكن ليس كل- خسائر «ما بعد يوم التحرير».
وبقدر ما بدا كل شيء فوضوياً، أصرَّت إدارته على أن كل شيء يسير كما هو مخطط له.
فقد نشر نائب كبير موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر بعد ظهر يوم الأربعاء: «لقد شاهدتم أعظم استراتيجية اقتصادية رئيسية من رئيس أميركي في التاريخ».
- واشنطن: «الشرق الأوسط»