ثورة في التحكيم والتحليل… مشروع لخفض تكلفة الذكاء الاصطناعي في كرة القدم

يُحدث إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في كرة القدم ثورة في هذه الرياضة من خلال تحسين أداء الحكام وتطوير الخطط التكتيكية داخل الملعب. لكن هذه التقنيات المتقدمة بقيت حكراً على البطولات الكبرى، بسبب تكلفتها العالية ومتطلبات البنية التحتية المعقدة. إدراكاً لهذه الفجوة، تتعاون جامعة «ETH» زيورخ مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لإتاحة الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع، وجعل هذه الابتكارات التكنولوجية متاحة لبطولات كرة القدم في جميع أنحاء العالم.
الذكاء الاصطناعي في كرة القدم
أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من كرة القدم الحديثة، من خلال أدوات تدعم الحكام وتحلل أداء الفرق بشكل دقيق. ومن أبرز الأمثلة على ذلك «تقنية التسلل شبه الآلية» (SAOT) التي يستخدمها حكام الفيديو (VAR) لاتخاذ قرارات دقيقة وعادلة، حيث تعتمد على تتبع لحظي لحركة اللاعبين ومواقعهم على أرض الملعب.
لكن على الرغم من مزاياها، تبقى هذه الأنظمة مكلفة ومعقدة، مما يجعل استخدامها مقتصراً على البطولات الكبرى. يتطلب تنفيذ هذه التقنيات عادة من 10 إلى 12 كاميرا ثابتة توضع في أماكن محددة داخل الملعب، بالإضافة إلى تزامن دقيق بين الكاميرات لجمع البيانات. هذا النظام يتطلب استثمارات كبيرة ومعرفة تقنية عالية، وهو ما لا يتوفر للعديد من البطولات والاتحادات المحلية.
مبادرة مشتركة
استجابة لهذه التحديات، يعمل باحثو مختبر «التقنيات التفاعلية المتقدمة» في «ETH» زيورخ، بالتعاون مع «فيفا»، على تطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة وسهل التنفيذ. الهدف الأساسي هو تطوير أنظمة يمكنها العمل باستخدام كاميرا بث واحدة فقط، مستفيدين من البنية التحتية الحالية للبث التلفزيوني، التي تتوفر في معظم المباريات الاحترافية.
ومن أهم الإنجازات في هذا المشروع هو إطلاق قاعدة بيانات «WorldPose» التي تضم أكثر من 2.5 مليون حركة ثلاثية الأبعاد للاعبين، تم استخراجها من نحو 50 دقيقة من لقطات مباريات كأس العالم 2022.
توفر هذه البيانات تمثيلات دقيقة ثلاثية الأبعاد لحركة اللاعبين، مما يشكل مرجعاً علمياً مهماً لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على تحليل الأداء باستخدام بيانات محدودة.
تحدي أبحاث الذكاء الاصطناعي
لتشجيع البحث والابتكار، أطلق «فيفا» تحدياً بحثياً دولياً يدعو الخبراء والمبتكرين لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تستخدم قاعدة بيانات «WorldPose». يركز التحدي على تطوير خوارزميات قادرة على تحليل مجريات المباريات بدقة باستخدام لقطات من كاميرا بث واحدة فقط. الهدف هو تصميم أنظمة فعالة ومنخفضة التكلفة وقابلة للتنفيذ في بطولات مختلفة حول العالم، مما يتيح استخدام أدوات تحليل الأداء ودعم التحكيم والتفاعل الجماهيري حتى في الدوريات ذات الموارد المحدودة.
الآثار الواسعة للنموذج
في حال نجاح تطوير هذه الأنظمة، يمكن أن تحدث تحولاً كبيراً في جوانب متعددة من اللعبة؛ من حيث تحسين التحكيم إذ سيتمكن الحكام في الدوريات الأقل تمويلاً من استخدام أدوات دعم القرار بالذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى قرارات أكثر دقة وإنصافاً. كذلك تحليل الأداء حيث يستطيع المدربون والمحللون الاستفادة من رؤى متقدمة حول تحركات اللاعبين وتكتيكات الفرق دون الحاجة إلى أنظمة تصوير متعددة الكاميرات. من التحولات أيضاً تعزيز تجربة الجماهير واستمتاعهم بتجربة مشاهدة غنية بالبيانات والتحليلات لتعزيز فهمهم للعبة وتفاعلهم معها.
إن خفض الحواجز أمام استخدام الذكاء الاصطناعي في كرة القدم يعزز الشمولية ويفتح المجال للابتكار على مستوى الأندية والبطولات بمختلف قدراتها.
التحديات وآفاق المستقبل
رغم أن المستقبل يبدو واعداً، فإن هناك عدة تحديات لا بد من معالجتها لتحقيق الرؤية الشاملة، منها تطوير خوارزميات قادرة على تفسير مجريات اللعب بشكل دقيق من زاوية كاميرا واحدة يتطلب تقنيات متقدمة جداً. كما تعد الخصوصية وحماية البيانات تحدياً آخر من حيث جمع واستخدام بيانات اللاعبين يجب أن يتم وفق ضوابط صارمة تضمن الخصوصية والشفافية. ويجب أيضاً أن تكون هذه الحلول قابلة للتطبيق في بيئات مختلفة من حيث البنية التحتية وجودة البث واختلاف الملاعب.
معالجة هذه التحديات تتطلب استمرار البحث والتعاون بين القطاعين الأكاديمي والرياضي، وهو ما بدأت به «ETH» زيورخ و«فيفا» بالفعل من خلال هذا المشروع الطموح.
تمثل هذه الشراكة خطوة مهمة نحو جعل الذكاء الاصطناعي متاحاً في عالم كرة القدم بشكل ديمقراطي. من خلال التركيز على تقنيات منخفضة التكلفة تعتمد على البنية الحالية للبث التلفزيوني، وبينما يتواصل البحث والتطوير، يصبح المستقبل الذي تلتقي فيه التكنولوجيا مع الرياضة أكثر قرباً، ليمنح اللعبة الشعبية الأولى دفعة جديدة نحو الدقة والشمولية والابتكار.