ثقافة

كتاب مصري يحتفي بـ«فارس الثقافتين»

يُعدّ الدكتور أحمد مستجير أحد أبرز الشخصيات في الثقافة العربية خلال القرن العشرين، التي جمعت بين الأدب والعلم في تجربة مدهشة اتسمت بالإنجاز عبر مؤلفات لافتة ساهمت في تعميق الوعي وتقديم نموذج مختلف.

ويرصد كتاب «أحمد مستجير – فارس الثقافتين»، الصادر عن «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة» لصلاح البيلي، بعض ملامح تلك التجربة. ويشير المؤلف إلى أنه عرف الدكتور مستجير عام 1993 وكان آنذاك قد أنهى دراسته في كلية الإعلام وزاره بصفته صحافياً لإجراء حوار معه في مكتبه في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وكان الدكتور مستجير عميداً للكلية لسنوات ممتدة.

تكررت زيارات البيلي له في مكتبه، حيث أهداه العالم الأديب ديوانه الشعري الأول «عزف ناي قديم». وعندما عرف أن البيلي يكتب الشعر وأصدر ديوانه الأول، توثقت علاقته به فدعاه إلى بيته، بحي الدقي بالقاهرة. وكان عبارة عن فيلا أنيقة من طابقين يسكن فيها مع زوجته النمساوية، وكان أولاده الثلاثة يدرسون بالخارج آنذاك. ولعشقه للزراعة والأرض واللون الأخضر، حوّل حديقة الفيلا مشتلاً عامراً بالزهور وروائحها المميزة.

وُلد الدكتور أحمد مستجير في الأول من ديسمبر (كانون الأول) 1934 بقرية الصلاحات، مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية بدلتا مصر، وعن هذه النشأة الريفية يقول: «أنحاز إلى الأرض الريفية لأني ابنها، وربما كان تفوقي في كلية الزراعة أو (كلية الفلاحين)، كما يحلو لبعضهم أن يسميها، سببه عشقي للزراعة والأرض ولون الزرع الأخضر وحبي للخيال الرحب؛ فالريف هو عشقي الأبدي ومنبع كل الرومانسية المتأججة بداخلي».

حصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة سنة 1954، حيث راسل آنذاك عالم الوراثة البريطاني الشهير آلان روبرتسون ليساعده على مشواره العلمي في معهد الوراثة في جامعة أدنبرة، فابتُعث إلى هناك وحصل على دبلوم «وراثة الحيوان» بامتياز من تلك الجامعة سنة 1961، فكانت المرة الأولى التي يحصل فيها باحث مصري على هذا التقدير العلمي الكبير من هذا المعهد المميز، ثم أكمل مشواره العلمي فحصل على الدكتوراه في «وراثة العشائر» تحت إشراف أستاذه آلان روبرتسون.

عاد من بعثته وتدرج في السلك الجامعي من معيد إلى مدرس إلى أستاذ، وكان أسلوبه في كتاباته العلمية، كما يذكر المؤلف، أدبياً راقياً رشيق العبارة سهلاً ميسراً لا تعقيد فيه ولا زخارف، بل يقصد هدفه مباشرة. وكان يؤمن أن الخيال الخصب لا ينفصل عن التفكير العلمي، وأن عشق الأدب لا يتنافى مع الأسلوب العلمي، بل يكمل بعضهما بعضاً. وكان يستفزه السؤال العقيم عن علاقة الأدب بالعلم، مؤكداً دائماً أن غالبية الابتكارات العلمية والمنجزات الحضارية بدأت بخيال خصب؛ ولذلك فحاجة العالم إلى الخيال المحلق لا تقل عن حاجة الأديب أو الفنان إليه.

ويذكر البيلي أن الفضل يرجع إلى مستجير في ابتكاره نظرية جديدة في تحليل بحور الشعر العربي ودراستها، وقد ضمها في كتابين الأول بعنوان «الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي» 1980، والآخر «مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي» 1987. وتعدّ محاولته تلك أول محاولة عربية في العصر الحديث لدراسة بحور الشعر العربي رياضياً ومحاولة تطويع الشعر وبحوره لبرامج الكمبيوتر.

أصدر الدكتور مستجير ديوانين، هما «عزف ناي قديم» 1980 و«هل ترجع أسراب البط»، وجمع في ترجماته بين الكتب العلمية والوراثة والجينوم البشري وعلوم الحيوان. وبلغت كتبه المترجمة أربعين كتاباً وهو رقم ضخم لعالم جدوله مشغول تماماً؛ إذ إنه كان أستاذاً وعميداً لكلية الزراعة في جامعة القاهرة، ومحاضراً في الندوات ومشاركاً في مؤتمرات علمية محلية ودولية، وكاتباً للمقالات العلمية والأدبية في صحف ومجلات مصرية وعربية، وعضواً في أكثر من مؤسسة ومحفل علمي.

ترجم الدكتور مستجير في الفلسفة «بحثاً عن عالم أفضل» لفيلسوف العلم كارل بوبر وفي علوم البيئة، والكتاب الأشهر للعالمة الأميركية راشيل كارسون وهو «الربيع الصامت» الذي يعدّ أول كتاب يطلق صيحة تحذير ضد التلوث البيئي، لا سيما التلوث الناتج من الاستخدام الجائر للمبيدات الزراعية.

وفي مجال الأدب، ترجم للكاتب الإنجليزي جيروم .ك.جيروم المعنون باسم «أفكار تافهة لرجل كسول».

  • القاهرة: «الشرق الأوسط»

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons
Translate »