معمارية مصرية تصمم بالقش بيوتا ذات أربعة أدوار في السويد
ابتكرت المهندسة مروة دبايح حلولا استثنائية على مدار سنوات عملها، وهي معمارية مصرية وأستاذة العمارة المستدامة والعمران البيئي، وأرادت مساعدة المهاجرين في السويد عبر ابتكارها مباني بيئية من مواد طبيعية، تقوم على القش بالأساس، لتصبح أول معمارية عربية بالسويد تبني منزلا من مواد صديقة للبيئة وأن تقدم حلولا لمقاومة التغير المناخي، لكن هذه ليست القصة، فمروة -التي تخرجت في قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان والتي حصلت في يونيو/حزيران الماضي على الأستاذية بجامعة مالمو في السويد- واجهت عقبات عديدة حين أرادت تطبيق المشروع الأهم في حياتها، لكنها قاومت حتى استطاعت تنفيذ مبان مبتكرة منخفضة التكلفة، صديقة للبيئة من “القش” يصل ارتفاعها إلى 4 أدوار تقريبا.
حصلت مروة عام 2012 على جائزة مؤسسة “إيلنا بينجتسونز” السويدية للبحث العلمي عن مشروعها للدكتوراه، كما نُشر لها أكثر من 100 مخطوطة و5 كتب. وهي أيضا تلقي محاضرات بانتظام حول مواضيع متعددة مثل العمارة المحلية، والتصميم المستدام، والمباني الموفرة للطاقة، والعمارة الخالية من الكربون، والحفاظ المستدام، واستخدام المواد الطبيعية في البناء.
-
ما كان حلمك في الطفولة؟ وهل كانت دراسة الهندسة ضمن أحلامك؟
حلمت في طفولتي أن أصبح بالرينا (راقصة باليه)، ثم تمنيت أن أكون قائدة طائرة. لكن مع مرور الوقت، اكتشفت شغفي بتشكيل المكعبات والصلصال، وعبّرت لوالدتي عن رغبتي في أن أصبح مصممة عمارة داخلية، بعد ذلك فهمت أن المعماري هو من يقوم بتلك الأعمال، فأخبرت والدتي بأنني أريد أن أصبح معمارية، خاصة بعد أن علمت عن المعماري حسن فتحي ومشروعه “الجرنة”.
-
ما السر وراء التحاقك بهذا التخصص بالذات؟
تخصصت في العمارة البيئية، لأنني تأثرت بمشاريع المعماري حسن فتحي، وعندما التحقت بالجامعة، درسنا مشروعاته من دون تعمق، لذا بعد التخرج، شعرت بالحاجة للتعلم أكثر، فتقدمت لدراسة الماجستير في العمارة البيئية والمستدامة في جامعة القاهرة، تحت إشراف الدكتور بهاء بكري -رحمة الله عليه- و دكتور إبراهيم كريم، وعند تلك اللحظة انطلقت في مجال العمارة البيئية سواء في عملي أو في مجال الدكتوراه والأبحاث اللاحقة التي قادتني لأن أكون أستاذ كرسي (منصب أكاديمي رفيع) في هذا التخصص.
لدي تخصص آخر إضافي هو الحفاظ على المباني التراثية وإدارتها بطرق مستدامة، درسته بعمق وحصلت على شهادات علمية رفيعة، وأنا عضو في منظمة إيكوموس (المجلس الدولي للمعالم والمواقع التابع لمنظمة اليونسكو) منذ 2012، وعضو في 3 لجان علمية هناك: لجنة العمارة التقليدية، ولجنة العمارة بالطين أو التربة، ولجنة الاستدامة و التغير المناخي.
-
ما أبرز المواد البيئية التي تستخدم في بناء المنازل البيئية؟
أنا أستخدم مصطلح “مبان بيئية” بدلا من “منازل بيئية”، إذ إن الفكرة تشمل مباني سكنية وتجارية وصحية وإدارية. هذه المباني تُبنى باستخدام مواد طبيعية مثل الطين، والحجر، والخشب، والقش، والبوص، والجريد. هذه المواد تتوفر في عديد من الأماكن حول العالم، لكن قدرتنا على استخدامها بشكل فعال لا تزال محدودة، فما زلنا نحصر أنفسنا في الإسمنت والطوب المحروق وحديد التسليح.
-
كيف يمكن للمباني البيئية مقاومة التغير المناخي؟
هي قادرة على المقاومة، لأنها مصنوعة من المواد الطبيعية الموجودة في البيئية، وهي تختلف من بيئة لأخرى، فتناسب واحدة ولا تناسب غيرها، أعتبرها الأنسب في البناء بالبيئة التي توجد فيها، لأنها تتعرض باستمرار لكل العوامل الجوية والمناخية التي تجعلها أقوى وأكثر متانة في مواجهة ومقاومة التغير المناخي، المشكلة ليست في الخامات، ولكن في الطريقة التي نتبعها في استخدام الخامات والتقنية التي نقوم بتطويرها لاستخدام الخامة، نحن نظلم الخامات ونقول إنها ضعيفة، ولكن المشكلة في الاستخدام، مثلا، في مصر، الأحجار المتوافرة في الإسكندرية مقاومة لملوحة البحر ورطوبته لذا هي الأنسب في بيئتها. المشكلة ليست في المواد نفسها، بل في كيفية استخدامها والتقنيات المتبعة في البناء.
-
ما الموقف الأكثر تأثيرا في مسيرتك المهنية؟
أكثر موقف مؤثر مررت به كان خلال عملي على تنفيذ مشروع البيت البيئي للمهاجرين في السويد؛ واجهت تحديات هائلة، بدءا من إيجاد التمويل والوقت اللازم، مرورا بالتغلب على صعوبات البناء في المناخ السويدي القاسي، وصولا إلى الالتزام باشتراطات البناء الصارمة ومراعاة مقاييس الأمان. مع ذلك، وبعد سنوات من التخطيط والتحضير، تمكنت من إنجاز المشروع بنجاح. بدأ العمل عليه عام 2013، وحصلت على التمويل عام 2015، حتى اكتمل بناؤه أخيرا عام 2017، بالتعاون مع المهاجرين أنفسهم، بينما لم يستغرق بناء البيت ذاته سوى 11 يوما فقط.
كانت الرحلة مليئة بالصعوبات، تطلبت مني بذل جهد هائل ومواجهة عديد من الصراعات. أجبرتني التحديات على تعلم قواعد بناء وأساليب تشييد جديدة، بالإضافة إلى اكتساب خبرات من تخصصات متنوعة، حتى تحقق الحلم الذي سعيت إليه لسنوات. لكن سعادتي الحقيقية لم تكن فقط في تنفيذ المشروع على أرض الواقع، بل في إثبات إمكانية البناء بالقش والطين بطريقة حديثة ومستدامة.
ما يجعل هذه التجربة انتصارا شخصيا كبيرا بالنسبة لي هو أنني تمكنت من التغلب على جميع هذه العقبات وحدي، من دون فريق عمل كبير أو تمويل ضخم. عملت لساعات طويلة، وغالبا من دون راتب يكفي احتياجاتي، ولكنني واصلت المسير بإيمان ورؤية واضحة. أن أرى هذا المشروع يتحول إلى واقع ملموس كان -ولا يزال- أحد أعظم إنجازاتي.
-
كيف تتعاملين مع ضغوط الابتكارات المستمرة في مجالك؟
أؤمن بضرورة أن يكون لدى الشخص توجه واضح في عمله. تجب متابعة التطورات مع الحفاظ على المرونة والقدرة على التكيف مع الجديد. رغم أن بعض التقنيات الحديثة قد تكون منافسة، فإنني أعمل على استغلالها لصالح المشاريع التي أعمل عليها.
-
من الشخص الذي أثر في حياتك وشخصيتك المهنية؟
والدتي هي أكثر داعمة لأفكاري المجنونة، ووالدي كان يشاركني بالفعل في رحلات السفر العلمية خلال عملي على مشاريع في الواحات وسانت كاترين، وغيرها من الأماكن البعيدة في مصر، التي لم يكن من السهل التحرك فيها بسهولة لفتاة وحدها، لكن أبي وأمي كانا داعمين وملهمين، ولا يزالان، أما الشخصية الأكثر تأثيرا في حياتي المهنية، فهي المعماري حسن فتحي، الذي لم يكن فقط من أشهر وأعظم المعماريين المصريين، بل مصدر إلهام لي وهو من قادني لاحقا للتعرف على الناس في بيئاتهم الأصلية، وكيف يطوعون المواد المتوفرة محليا في البناء، تعلمت من الناس في الواحات المصرية كيف أخلط التربة بنجاح لإنشاء مبنى من الطين، وكيف أقوم بعمل حماية للمباني المبنية بالطين والجريد، المجتمعات التقليدية في مصر هي بالنسبة لي من أكبر مصادر الإلهام والتعليم، تعلمت هناك الأبجدية المعمارية بخلاف ما تعلمته في الجامعة.
-
لماذا لا يتم تطبيق المباني البيئية في الوطن العربي؟
أكبر مشكلة تواجهنا في الوطن العربي هي مشكلة فكرية بحتة، غالبا ما نتصور أن الغرب هو المثال في كل شيء دون نقد أو تحليل، ننفذ أفكارا لا تتناسب مع ثقافتنا، ولا مع ديننا، ولا مع بيئتنا، بينما عمارتنا التقليدية القديمة تشكل مصدرا ضخما للفكر والعلم والإلهام، فهو تراث معماري غني يجب أن نعيد اكتشافه ونعتز به، ومن دونه لن يكون لنا مستقبل.
لقد اخفقنا -نحن المعماريين المعاصرين- في بناء مبان عصرية ملائمة تلبي احتياجاتنا؛ أنشأنا مباني زجاجية مع مكيفات حديثة تشكل معاناة في درجات الحرارة العالية.