ترامب يهدد بريكس إذا تخلت عن الدولار وأنشأت عملة جديدة
حذر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب دول بريكس من أنه سيطالبها بالتزامات بعدم التحرك لإنشاء عملة جديدة كبديل للدولار الأميركي في التعاملات البينية، مكررًا تهديداته بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الواردات من أعضاء هذا التكتل.
وقال ترامب أمس السبت في منشور على شبكته الاجتماعية تروث سوشيال “انتهت فكرة أن تحاول دول بريكس الابتعاد عن الدولار بينما نقف مكتوفي الأيدي ونراقب.. نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لبريكس، أو دعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي العظيم، وإلا فإنها ستواجه تعريفات جمركية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع وداعًا للبيع بالاقتصاد الأميركي الرائع”.
كلفة عالية
خلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بأنه سيجعل الأمر مكلفًا للابتعاد عن الدولار الأميركي، مهددا باستخدام التعريفات الجمركية لضمان امتثال هذه الدول، واتخذت هذه التهديدات أمس أهمية جديدة مع استعداد الرئيس المنتخب لاستعادة السلطة في يناير/كانون الثاني، وفق ما ذكرت بلومبيرغ.
وناقش الرئيس الأميركي ومستشاروه الاقتصاديون سبل معاقبة الحلفاء والخصوم على حد سواء الذين يسعون إلى الانخراط في تجارة ثنائية بعملات أخرى غير الدولار، وتشمل هذه التدابير النظر في خيارات مثل ضوابط التصدير ورسوم التلاعب بالعملة والرسوم على التجارة، حسبما نقلت بلومبيرغ عن مصادر مطلعة.
وأكد ترامب منذ فترة طويلة أنه يريد أن يظل الدولار العملة الاحتياطية العالمية، وقال -في مقابلة خلال مارس/آذار مع “سي إن بي سي”- إنه لن يسمح للدول بالتخلي عن الدولار لأن ذلك سيكون “ضربة لبلدنا”.
ويرى مايكل بيتيس زميل مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن تحذير الرئيس المنتخب ضد أعضاء بريكس يشير إلى “مدى ارتباك الإدارة القادمة بشأن التجارة العالمية ونظام رأس المال”.
وقال بيتيس على حسابه على منصة إكس للتواصل الاجتماعي “لا تستطيع الولايات المتحدة خفض عجزها التجاري وزيادة الهيمنة العالمية للدولار لأن هذا يفرض شروطًا متعارضة تمامًا”.
تخفيف التوترات
قال تقرير لموقع “ناشونال إنترست” إن دول بريكس تعمل على تخفيف التوترات الثنائية فيما بينها، في الوقت الذي تبتعد فيه دول الجنوب العالمي عن الاعتماد على مساعدات واشنطن مما يضع الأخيرة أمام تحدٍ كبير للتكيف مع هذه التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
ونقل التقرير عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأكيده أن مجموعة بريكس تمثل ملاذاً للدول المتضررة من الاستخدام العقابي للدولار من قبل واشنطن، لكنه أوضح أن روسيا وحدها لا تستطيع إنشاء نظام مالي بديل، مما يجعل التعاون مع دول الجنوب العالمي محوراً رئيسياً في إستراتيجيتها.
ويعتبر بوتين -حسب التقرير- أن أنظمة الدفع عبر الحدود، المعتمدة على العملات المحلية، تمثل الحل الأمثل لتحرر دول بريكس من النظام المالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، كما أنها تُعد أداة حاسمة لتأسيس قنوات تتيح للدول الأعضاء تنفيذ تعاملاتها المالية بعيداً عن أي تدخل أميركي.
وأكد التقرير أن فكرة اعتماد عملة موحدة لدول بريكس لا تزال بعيدة المنال، نظراً للتباينات الكبيرة في المصالح الوطنية والسياسات المالية لكل من الهند وروسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، كما أن التوسيع الأخير للمجموعة، والذي ضم دولاً مثل إيران والإمارات ومصر وإثيوبيا، يعمق هذه التحديات، مما يؤكد أن بريكس ليست بصدد إطلاق عملة موحدة حالياً.
ولفت إلى أنه رغم ذلك فإن وتيرة إنهاء هيمنة الدولار لا تظهر أي بوادر تباطؤ، بل إن التحولات تسارعت بشكل لافت منذ الحرب الروسية الأوكرانية، فقد لجأت موسكو إلى اعتماد المدفوعات بالروبل والذهب كوسيلة للتخفيف من وطأة العقوبات الغربية والخروج من أنظمة الدفع الدولية مثل “سويفت“.
ومن جانبها، وسعت بكين خطوط مقايضة الدفع مع دول مثل الأرجنتين لتفعيل التداول المباشر باليوان (العملة الصينية) بينما أتاحت العملة الرقمية الصينية “إي-سي إن واي” (e-CNY) فرصاً إضافية لإزاحة الدولار من المشهد المالي العالمي.
الاصطفافات العالمية
وأشار تقرير موقع ناشونال إنترست إلى أن التحدي الأكبر الذي تواجهه واشنطن ليس فقط في فقدان هيمنة الدولار، بل في إعادة تشكيل الاصطفافات العالمية التي تقلل من نفوذها. فقد أصبحت بريكس منصة دولية لمعالجة الأزمات الكبرى، وإعادة تشكيل التجارة العالمية، ودعم المشاريع التي تتجاوز التدخل الأميركي.
ورغم أن بعض أعضاء بريكس ليست معادية لواشنطن على المستوى الفردي، فإن المجموعة ككل تسعى إلى صياغة نظام اقتصادي جديد يتسم باستقلالية أكبر عن الولايات المتحدة، كما يوضح التقرير.
ويعتبر التقرير أن بريكس لا تقتصر على دورها الدبلوماسي، بل أصبحت منصة للتقدم التجاري، ومنها مبادرة “بورصة الحبوب” التي اقترحها الاتحاد الروسي لتعزيز سلاسل الإمداد الزراعي وتنظيم أسعار الحبوب بعيداً عن المضاربات الخارجية.
ونوه إلى أن بريكس تعمل على تقديم بدائل للتمويل التنموي التقليدي الذي يهيمن عليه الغرب. فقبيل قمة 2024، انتقد وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف صندوق النقد والبنك الدوليين، داعياً إلى تأسيس مؤسسات جديدة ضمن بريكس، وقد أسست المجموعة “بنك التنمية الجديد” عام 2015، الذي دعم الأسواق الناشئة عبر تمويل 96 مشروعاً بقيمة 32.8 مليار دولار.
وحذر التقرير من أن نجاح بريكس في تطوير أنظمة الدفع عبر الحدود واستمرارها كمنصة للحوار قد يقلص نفوذ الولايات المتحدة عالمياً، وشدد على ضرورة إعادة واشنطن تقييم سياساتها وتعزيز علاقاتها مع دول الجنوب العالمي، وضمان ألا تدفع شروط قروض صندوق النقد الدولي الدول النامية نحو بريكس.
هيمنة الدولار
- يعتبر الدولار الأميركي عملة الاحتياطات العالمية، إذ يشكل نحو 58% من احتياطات صندوق النقد الدولي.
- يشكل الدولار عملة 80% من التجارة العابرة للحدود، وهو كذلك عملة مدفوعات في غالبية دول العالم، إلى جانب العملات الوطنية الصادرات عن البنوك المركزية لتلك الدول.
- رغم تمتع العملة الأميركية بمكانة استثنائية في التجارة الدولية والأسواق المالية فإن قوتها (ارتفاع قيمتها مقابل العملات الأخرى) يمكن أن تؤدي إلى عواقب اقتصادية واسعة النطاق، خصوصا في ظل التفاوت الكبير بين الاقتصادات العالمية.