من أين أتت عبارة “كل الطرق تؤدي إلى روما”؟
عند سماع هذه العبارة “كل الطرق تؤدي إلى روما”، تتبادر إلى الذهن على الفور صورة شبكة واسعة من الطرق في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، يمكن اعتبارها أسلاف الطرق السريعة الحديثة، غير أن الأمر هنا قد يشير إلى ما هو أكثر من طريق أرضي، بل إلى طريق روحي.
في هذا السياق استعرضت مجلة لوبوان -في تقرير بقلم جوزيف لو كور- بعض ما قيل عن هذه العبارة الشائعة وأصلها، فرأت أن “الفكرة الشائعة عن الطرق الرومانية صورة تم تضخيمها من قبل مصممي الكتب الشعبية، تبرز الطرق المعبدة بدقة على طبقات متعددة من الحصى والرمل، مع أن برتراند لانسون، المتخصص في التاريخ الروماني يقول إن “الطرق الرومانية الشهيرة كانت مصنوعة أساسا من الطين الصخري”، وهي قليلة ومعظمها في ضواحي المدن وفي قلبها.
وأشارت المجلة إلى أن فكرة أن “كل الطرق تؤدي إلى روما” يمكن أن تثير مركزية الإمبراطورية أو الكنيسة المسيحية، موضحة أن الإمبراطورية الرومانية لم تكن تتفق مع دولة مركزية كما نتصورها، يقول المؤرخ نفسه “من الصعب للغاية القول إن الإمبراطورية الرومانية كانت دولة مركزية إلى الحد الذي كانت فيه العادات المحلية المتوافقة مع المؤسسات الرومانية مقبولة على نطاق واسع”.
ومع ذلك، كانت الطرق الرومانية ركيزة الإدارة الإقليمية -كما تقول المجلة- فقد وفرت حركة سريعة للقوات وسهلت الاتصال بين مراكز صنع القرار، وبالتالي ساهمت بشكل أساسي في وجود الإمبراطورية الرومانية، ولذلك كانت إحدى أولويات الإمبراطور أغسطس بعد معركة أليسيا (52 قبل الميلاد)، هي تطوير شبكة طرق فعالة تربط ليون بالنقاط الإستراتيجية في الإقليم.
وعلق نيكولا بيرغي، المؤرخ الفرنسي في القرن الـ16 متسائلا “ما الفائدة التي كانت ستجنيها روما من إخضاع العالم لو لم تكن لديها طرقها لإيصال أمرها إلى العالم؟، حيث يُقدر طول شبكة الطرق العامة الرئيسية في الإمبراطورية بما يتراوح بين 80 ألفا و100 ألف كيلومتر.
غير أن استخدام عبارة “كل الطرق تؤدي إلى روما”، نادرا ما يتعلق بشبكة الطرق، إذ إن مصدر هذه العبارة كان الفيلسوف الفرنسي آلان دو ليل في القرن الـ12، وكان يستحضر المعنى المجازي، بالطرق العديدة التي تؤدي إلى الهدف نفسه، مشيرا إلى تنوع الطرق إلى الحقيقة، سواء بالعقل أو الإيمان.
ويلاحظ برتراند لانسون أن روما التي تحولت بفضل جهود البابا غريغوريوس الكبير إلى “القدس الجديدة”، أقرب للغربيين مسافة لزيارة قبري بطرس وبولس المقدسين بها كصلة مباشرة مع الإله، وبالتالي فهي -حسب رؤية آلان دو ليل- ترمز إلى هذا التقاطع بين العالمين الأرضي والسماوي.