5 تجارب مميزة في انتظارك عند زيارة “أم الدنيا”
حين زار الرحالة المغربي ابن بطوطة مصر في مطلع القرن السابع الهجري/ الـ13 الميلادي، ودوّن انطباعاته عن عاصمتها القاهرة في مؤلفه المعروف “رحلة ابن بطوطة”، سماها “أم البلاد”، ووصفها بأنها “قرارة فرعون ذي الأوتاد، المتناهية في كثرة العمارة بالحسن والنضارة، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة”.
فلم يمر بمصر مسافر أو رحال إلا ووجد في مصر الترحاب والمؤانسة التي لا تجعله يشعر للحظة بأنه غريب عن هذه البلاد، وإن كانت مصر عبر الأزمان مشهورة بمعالمها وأهراماتها ومعابدها القديمة ومتاحفها العريقة، فهناك عديد من التجارب المميزة التي تنتظرك في مصر بخلاف تلك الوجهات المعروفة.
شوارع القاهرة
القاهرة، تلك المدينة العتيقة التي تُعرف بأنها “مدينة الألف مئذنة”، تُعد متحفا مفتوحا يروي قصص التاريخ في كل ركن من أركانها، والسير في شوارعها يكشف عن تنوعها المعماري وروحها المتفردة، فالقاهرة ليست مجرد مدينة يطغي الطابع الإسلامي التاريخي على ملامحها المعمارية المميزة، بل تنفرد بامتزاج آثار الحضارات المتعاقبة عليها التي تعود لفترات مختلفة.
فمن الأهرامات الشاهقة إلى مسجد محمد علي بقبابه ومآذنه التي تتجه نحو السماء، وفي الأزقة الضيقة لحي الحسين وشارع المعز، تتجلى المساجد والخانات والأسبلة الإسلامية (جمع سبيل أي وقف سقي الماء)، مما يجعل الزمن يبدو وكأنه يدور حولك.
السحر الحقيقي للقاهرة لا يكمن فقط في معالمها ومبانيها العريقة، بل في حياة أهلها وحركتهم المستمرة في شوارعها الصاخبة، إنها مدينة تجعلك تشعر وكأنك تسير عبر العصور، فالتجول بين شوارع القاهرة التي تحمل الذكريات بين جدرانها وشقوقها ومرت عليها يد الزمان ستجعلك ترى مدينة تماثل دولا منفردة في اتساعها، وكثرة وأهلها، وعظم بنيانها، وتنوع معمارها، وكما قال المستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول في كتابه عن القاهرة “ومن لم يرَ القاهرة، لم يرَ الدنيا”.
رمال سيوة
واحة سيوة واحدة من الوجهات الفريدة التي تجمع بين الجمال الطبيعي والثراء الثقافي والعلاجات الطبيعية الفعالة، تقع سيوة على الحدود الغربية لمصر، وتتميز بطبيعتها البكر وأشجار الزيتون والنخيل، فضلا عن عيونها الدافئة، مثل عين كليوباترا الشهيرة.
يضاف إلى ذلك ثقافة أهلها المميزة، الذين يتحدثون الأمازيغية إلى جانب العربية، وبيوتها القديمة المبنية من الملح الصخري الطبيعي، وبين جنباتها تنتشر منتجعات الإقامة البدائية التي تعدك بالانفصال عن إيقاع الحياة المعاصر البالغ السرعة. وأما ما يجعل سيوة ذكرى جميلة لا تُنسى، فهي تجربة الدفن في الرمال الساخنة في سيوة، التي تُعد واحدة من أكثر التجارب العلاجية الطبيعية شهرة في مصر.
ويُقال إن هذه التجربة تساعد في علاج أمراض العظام مثل الروماتيزم، وأيضا الأمراض الجلدية مثل الصدفية من خلال دفن الجسم في الرمال الساخنة لفترات معينة، والزوار الذين يخوضون هذه التجربة لا يشعرون فقط بالراحة الجسدية، بل يجدون في سيوة ملاذا هادئا، بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية السريعة ووجهة مثالية لاسترخاء وتجديد للنشاط والحيوية
على خطى موسى
تقع مدينة سانت كاترين في قلب جنوب سيناء على هضبة مرتفعة، وتحيط بها أعلى جبال مصر، مما يمنحها طقسا مميزا، فهي ذات أجواء معتدلة صيفا وقاسية البرودة في الشتاء، خاصة عندما تغطي الثلوج قمم الجبال.
هذه المدينة ليست فقط مكانا طبيعيا ساحرا، بل هي أيضا موقع ذو أهمية تاريخية ودينية، فقد مر بها نبي الله موسى (عليه السلام) خلال خروجه من مصر عبر سيناء، ويرتبط أشهر جبال المنطقة، جبل موسى، باللحظة التي اعتلى فيها النبي موسى الجبل وتلقى ألواح شريعة بني إسرائيل بعد 40 يوما من المناجاة مع ربه.
في أعلى قمة جبل موسى، تم تشييد كنيسة صغيرة إلى جانب مسجد، في تعبير رمزي عن التناغم الديني، يستهوي الجبل عشاق رياضة تسلق الجبال الذين يتوافدون لصعوده والاستمتاع بالمشهد الخلاب للشمس وهي تشرق أو تغرب على سيناء.
لا تقتصر تجربة زيارة جبال سانت كاترين على التسلق فقط، بل توفر فرصة لزيارة أقدم دير مسيحي قائم في العالم، وهو دير سانت كاترين، هذا الدير الذي تم بناؤه في القرن السادس الميلادي يُعد تحفة معمارية في حد ذاته، ويضم مكتبة تحتوي على مخطوطات تاريخية نادرة، وبين الطبيعة المبهرة والتجليات الروحية لنبي مر بهذه الأرض، تعد هذه التجربة واحدة من أكثر الرحلات إلهاما التي يمكنك القيام بها في مصر.
الغطس بالبحر الأحمر
يُعد البحر الأحمر من أجمل وجهات الغوص لاستكشاف خبايا عالم البحار والأنشطة البحرية في مصر، تعتبر مرسي علم واحدة من أبرز وجهات الغطس في البحر الأحمر التي توفر تجربة غوص متفردة، حيث تلتقي الأسماك والكائنات البحرية النادرة.
أما مدينة شرم الشيخ، فهي المركز الرئيسي للغوص في مصر بفضل شواطئها الخلابة وشعابها المرجانية البديعة التي تكونت عبر آلاف السنين، فضلا عن السفن العملاقة الغارقة التي تجذب محبي الآثار الغارقة، وبالإضافة إلى الغوص، تُعد شرم الشيخ نقطة انطلاق مثالية للرحلات الاستكشافية إلى جبال سيناء ودير سانت كاترين ورحلات السفاري والتخييم في صحراء جنوب سيناء.
في المقابل، تقدم مدينة دهب تجربة أكثر ثراء، وبخاصة في منطقة “البلو هول” (Blue Hole)، التي تُعرف بتنوعها البيولوجي الفريد، مما يجعلها وجهة مفضلة للغواصين المحترفين.
تذوق طعام الشارع
تعد تجربة تذوق طعام الشارع في مصر واحدة من أهم التجارب السياحية التي لا ينبغي تفويتها، ويتميز طعام الشارع المصري بتنوعه، إذ يناسب أذواق النباتيين ومحبي اللحوم على حد سواء، ابدأ بتجربة الفلافل المصرية الطازجة، المصنوعة من الفول وليس الحمص، والتي تُعد خيارا شائعا للإفطار أو العشاء.
ولا تنسَ صحن الفول المصري، الذي يشكل مع الفلافل ثنائية الطعام المصري الشهيرة، كما يجب عليك تذوق الكشري، الطبق الوطني المصري، الذي يتكون من الأرز والعدس والمعكرونة، والمغطى بالبصل المقلي وصلصة الطماطم وصوص الخل بالثوم.
أما بالنسبة إلى محبي اللحوم، فتُقدم أطباق الكباب والكفتة المشوية بطريقة مصرية تختلف عن مثيلاتها في الشام وتركيا، بالإضافة إلى الكبدة والسجق المتبلة والمطهوة بطرق تختلف من مدينة الأخرى، وأشهرها “الكبدة والسجق الإسكندراني”، وفي المدن الساحلية، تبرز المأكولات البحرية، حيث يمكنك الاستمتاع بأسماك طازجة محضرة بالثوم والكمون.
لا تنسَ تجربة مشروبات الشارع المصرية الشهية، مثل عصير قصب السكر الطازج، أو مشروب السوبيا، الذي يتكون من الأرز المطحون وجوز الهند واللبن، وتأكد من أن كل لقمة وكل رشفة ستعكس لك جزءا من روح مصر.
وفي ختام رحلتك في مصر، ستجد أن كل هذه التجارب المتنوعة من الثقافة والتاريخ إلى المأكولات الشهية، ستشّكل ذكريات لا تُنسى على خط العمر، ستجعلك تتوق للعودة مرة أخرى لاستكشاف المزيد من سحر مصر.
المصدر : الجزيرة