لؤلؤة الكاريبي التي تضع إحدى قدميها في الماضي
على حدود المحيط الأطلسي تطفو كوبا كأكبر جزر البحر الكاريبي بشواطئها الخلابة وجمال ريفها البديع الذي لم تلوثه الثورة الصناعية ولا عوادم السيارات لتظل محتفظة بكثير من ملامحها القديمة.
لقد اقتحمت كوبا مخيلة العالم بفضل المكتشف كريستوفر كولومبوس عندما رست سفينته على شواطئها لأول مرة عام 1492 فأصبحت تعرف بمفتاح العالم الجديد قبل أن تتحول إلى بلاد الثورة والصمود والحرية، كما يوضح برنامج “المسافر”.
وقعت كوبا تحت احتلال الإسبان 4 قرون هاجمها خلالها الإنجليز والفرنسيون والهولنديون والأميركيون ولصوص البحر، لكنها نجت في النهاية بعدما دفعت أثمانا باهظة وظلت من الدول القليلة التي ما زالت تحتفظ بإحدى قدميها في الماضي.
لم تندفع هذه البلاد -التي يراها البعض شعلة للثورة ويراها آخرون رمزا لدكتاتورية الثوار- نحو الحداثة كما فعلت غيرها من دول الكوكب فكانت آخر الخارجين من ثوب الاشتراكية والشيوعية ورفضت التخلي جملة واحدة عن ماضيها ومكانها ومكانتها غير عابئة بما يجري في هذا العالم من تحولات.
ولا تزال كوبا محتفظة بشكلها القديم وممتنة لماضيها الذي لا يعجب البعض ومتمسكة بمعارك ثوارها -من أمثال تشي غيفارا وفيدل كاسترو– وتذكاراتهم وصورهم وتاريخهم بكل ما فيه من انتصارات وهزائم.
متحف الفنون الجميلة
عندما تزور متحف الفنون الجميلة الذي تأسس في عام 1913، ستجد أدلة على ما عاشته كوبا من حصار واضطهاد وحروب استمرت عقودا.
كان هذا المبنى ناديا للمستعمرين ثم حوّله الثوار إلى محكمة عليا ثم إلى متحف للفنون الجميلة وقد استعاد الأعمال التي تعتبر من تراث كوبا وحافظ عليها وروج لها وأصبح مرجعا أساسيا لكل متذوق أو دارس أو باحث عن تاريخ الفنون في هذا البلد.
يضم المتحف مجموعات من حقب الاستعمار حتى العصر الحالي وبداخله غرف مخصصة للمناظر الطبيعية والدينية وحياة الكوبيين اليومية تمر من خلالها عبر مدارس فنية متنوعة من الانطباعية إلى الواقعية.
وفي القاعة المخصصة لفترة سبعينيات القرن الماضي تطغى الواقعية المفرطة على الأعمال المعروضة التي تترجم تعلق الفنانين الوجداني بالثورة وهو ما يمكن رؤيته بسهولة في بعض الأعمال التي تحتفل بالصور الرمزية القوية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
ويمكن للزائر أيضا أن يستقل “الباراموتور” وهو في طائرة شراعية بموقد يعمل بالطاقة وتطير بمساعدة محرك بسيط، وقد اخترعت هذه التقنية وانتشرت بدءا من ثمانينيات القرن الماضي.
وتعتبر الباراموتور واحدة من الرياضات السهلة في كوبا لكنها تمنح المسافر فرصة إلقاء نظرة من علٍ على هذه البلاد التي تستلقي ساحرة على شواطئ الكاريبي خصوصا لو كنت في باراديرو.
تقع جزيرة باراديرو الخضراء على شاطئ الكاريبي وقد اتخذها أباطرة المال الأميركيون منتجعا لهم حتى انطلاق الثورة نهاية الخمسينيات والتي ألغت نفوذهم. لكنها ما زالت وجهة مفضلة للسياح الأميركيين بسبب شمسها الاستوائية ونباتاتها دائمة الخضرة وصفاء مياهها ورمال شواطئها الناعمة والبيضاء.
تمتد باراديرو شريط طوله 30 كيلومترا من اليابسة داخل المحيط الأطلسي وهي تضم أكثر من 20 كيلومترا من الشواطئ الرملية البيضاء
سينفويغوس.. لؤلؤة الجنوب
أما سينفويغوس -أو عروس الجنوب كما يسمونها- فهي تجمع بين الأناقة الفرنسية والروح الإسبانية وأجواء الكاريبي وهي المدينة الوحيدة التي نجت من طغيان المعمار الإسباني المسيطر على كوبا، فهي مدينة فرنسية الروح والتصميم.
تقع هذه المدينة على الساحل الجنوبي للبلاد وهي تطل على أكبر خليج في كوبا وتبتعد 250 كيلومترا عن العاصمة هافانا ويبلغ عدد سكانها ربع مليون نسمة.
وخلف هذه المدينة الأسطورية، تقف جبال إسكندري التي منحتها اسمها لؤلؤة الجنوب لأنها أحدث المستوطنات الاستعمارية التي تم بناؤها في كوبا.
أقيمت هذه المدينة بسبب الحقول الخصبة المحيطة بها وبسبب قربها من سانتا كلارا وموقعها على الطريق التجاري بين مدن أميركا الجنوبية فضلا عن مينائها الذي كان مركزا لتصدير السكر والتبغ والقهوة والمانجو. وقد شهدت المدينة حروبا طاحنة بين البحرية الأميركية والمستعمرين الإسبان وانتهت بطرد الإسبانيين من كوبا نهائيا.
تعتبر ساحة خوسيه مارتن الساحة الرئيسية في المدينة وتشتهر بمبانيها الرائعة مثل القصر الأزرق والقبة الحمراء وتياترو توماستيري ويقف في وسطها تمثال للبطل التاريخي خوسيه مارتن بهيئته الأسطورية.
وتضم المدينة أيضا مسرحا تاريخيا هو مسرح توماس تيري الذي بني تخليدا لأحد أغنى الرجال في كوبا وهو تاجر سكر عاش في القرن الـ19، وقد بنى أولاده هذا المسرح وفق الطراز الإيطالي وهو على شكل حدوة حصان وتم تزيينه بالرخام والباركيه المنحوت باليد من نحو ألف مقعد وافتتح سنة 1889 مع أوبرا عايدة الشهيرة.
وتمتاز المدينة بطرازها الكلاسيكي الحديث مما جعلها مدينة نادرة في منطقة الكاريبي كونها تحتوي على هذه المجموعة المعمارية الاستثنائية.
ومن أجمل المعالم التاريخية بمدينة سينفويغوس قصر فيرير وهو مغن اشتهر مطلع عشرينيات القرن الماضي، وقد بنى هذا البيت ليكون الأجمل في المدينة لكنه لم يعش فيه إلا يوما واحدا بسبب تلقيه عروض عمل في هافانا التي غادر إليها وظل بها حتى وفاته.