مصري يغامر بحياته لإنقاذ كلب سقط في بئر عمقها 20 متراً.
لم يكن وليد محروس، الذي يبلغ من العمر 44 عامًا، يتوقع أن يصبح حديث المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يصبح اسمه من أكثر العبارات تداولًا على المنصات. فقد خاطر بحياته عندما نزل إلى بئر صرف صحي عميق لإنقاذ كلب ضال كان عالقًا وسط المياه السوداء بلا حول ولا قوة.
ألقى مجموعة من الشباب كلبًا في بئر صرف صحي عمقه 20 مترًا بدافع “التسلية”.
يعمل وليد محروس كمنقذ للحيوانات، وصرح للجزيرة نت قائلاً: “تلقيت بلاغًا حول كلب في منطقة حلوان، حيث وُصفت حالته بالصعبة. وعندما وصلت إلى المكان، حاولت معرفة ما حدث. أخبرني بعض أصحاب الورش في المنطقة أن مجموعة من الشباب كانوا يمرون بجوار بئر صرف صحي مكشوف، وأثناء مزاحهم، قام أحدهم برفع الكلب وإلقائه في البئر العميق كنوع من الاستعراض. سمع العاملون في الورش صوت الارتطام، ثم بدأ الكلب في النباح طلبًا للنجدة من وسط مياه الصرف السوداء”.
استمرت جهود سكان الحي لإنقاذ الكلب، لكنها لم تثمر عن نتيجة. يقول وليد للجزيرة نت: “عندما وصلت، أخبرني الناس أنهم بذلوا قصارى جهدهم لإنقاذه، لكن العمق كان كبيرًا. ثم اتصلوا بالشرطة والدفاع المدني، وحتى استخدموا الأوناش التي حفرت تلك الآبار، لكن دون جدوى. وكان الأمل الأخير هو جمعيات الرفق بالحيوان، حيث لجأ بعض المهتمين إليها من خلال منشورات استغاثة ومكالمات. بعد ذلك، أرسلت لي هدى مقلد، المسؤولة عن إحدى جمعيات الرفق بالحيوان، المنشور وتواصلت معي في وقت كنت أستعد فيه للسفر”.
واصل محروس حديثه قائلاً: “ذهبت معتقداً أن الأمر سهل ولا يتطلب أكثر من الأدوات التي أستخدمها عادة، مثل الشبكة والسلسلة، وربما سأحتاج للنزول حوالي 4 أو 5 أمتار. لكنني تفاجأت بأن الكلب كان على عمق يتراوح بين 15 إلى 20 متراً تحت الأرض”.
عملية إنقاذ باستخدام أدوات بسيطة
كانت مهمة إنقاذ الكلب تبدو مستحيلة نظرًا لعمق البئر الكبير وغياب وسيلة سهلة للنزول. ويقول وليد للجزيرة نت: “شعرت بالتشجيع عندما رأيت أن الكلب لا يزال على قيد الحياة بعد مرور أكثر من 48 ساعة على سقوطه، حيث قضى تلك الفترة دون طعام أو ماء، أو حتى نوم. كان يضع رأسه على سيخ حديد، بينما كان جسده بالكامل مغمورًا بمياه الصرف الصحي، ولم يكن قادرًا على النباح بعد كل هذا الوقت”.
اجتمع حول البئر سكان المنطقة، إلى جانب هدى مقلد، رئيسة جمعية حقوق الحيوان، ومنى خليل، رئيسة الجمعية المصرية للرحمة بالحيوان، ومنى، منسقة المجتمع المدني في منطقة 15 مايو، بالإضافة إلى عدد كبير من المهتمين. قبل أن تتبادر إلى أذهانهم فكرة ربط برميل حديدي بأحد الأوناش، وهي الفكرة التي بدت ناجحة في البداية، لكنها كانت محاطة بالعديد من المخاطر.
يقول وليد: “كانت هناك مخاوف من ارتفاع مستوى غاز الميثان السام، لكنني كنت أعتقد أنه إذا كان الكلب لا يزال على قيد الحياة، فلن تكون الرائحة قاتلة. لذا ارتديت كمامة ونزلت إلى الأسفل. وعندما وصلت إلى عمق 7 أمتار، بدأت أشعر بالاختناق، لكنني لم أتراجع أو أشير لهم بأي شيء. في تلك الأثناء، كان الجميع في الأعلى يستخدمون كشافات هواتفهم المحمولة لإضاءة البئر المظلم في الليل. كنت أركز كل انتباهي على إنقاذ الكلب، حتى تمكنت من الوصول إليه وإنقاذه في النهاية”.
ليست المغامرة الوحيدة للإنقاذ
استقبل ملجأ “إيسما” في القاهرة الكلب الناجي، حيث كان في انتظاره طبيب بيطري. استمرت جهود إنقاذ حياته حتى الساعة السابعة صباحًا، حين استقرت درجة حرارته أخيرًا. وأوضح وليد محروس أن “الكلب كان يعاني من انخفاض في درجة حرارة جسمه بالإضافة إلى الجفاف. كنت أتابع حالته، وفوجئت بمقاطع الفيديو والصور التي تم تداولها أثناء عملية الإنقاذ، حيث تم وصفني بالبطل. أصبحت عملية الإنقاذ واحدة من أكثر الفيديوهات تداولًا على مواقع التواصل الاجتماعي، مع مئات الرسائل التي تضمنت كلمات طيبة ودعوات لي، مما أسعدني كثيرًا”.
المنقذ الذي يحمل دبلوم الثانوي الصناعي، لديه خبرة تزيد عن 10 سنوات في مجال الإنقاذ، ويعتبر هذا العمل “وظيفة أحلامه”. يقول: “أحب الحيوانات منذ أن كنت في السادسة من عمري، بالنسبة لي، الأمر يتعلق بشغف قبل أن يكون عملاً. أركز على إنقاذ الحيوانات، لكنني أخصص جهودي بشكل أكبر لإنقاذ الكلاب، حيث يمكن الإمساك بالقطط بسهولة باستخدام المصائد، بينما تتطلب الكلاب جهودًا أكبر نظرًا لحجمها”.
يستخدم منقذ الحيوانات مجموعة متنوعة من الطرق والأساليب للإمساك بالحيوانات التي غالبًا ما تكون في وضع صعب. ويشير إلى أنه “في بعض الأحيان أتمكن من الإمساك بالكلب بيدي، أو باستخدام شبكة، وفي حالات أخرى قد أحتاج إلى تخديره إذا كان الكلب عدوانيًا أو في حالة من التوتر”.
لم يعد المنقذ يتذكر عدد المرات التي تعرض فيها للعض من الكلاب، لكنه يحرص على تلقي مصل السعار. ويحتفل في كل مرة بعمله الذي يتيح له خوض المزيد من المغامرات لإنقاذ الحيوانات. ويقول: “لقد أنقذت مئات الكلاب على مدار سنوات عملي، بعضها كان في المياه أو في أماكن عميقة. لكن هناك قصص لا أنساها، مثل كلب عثر عليه الناس في منطقة العياط، حيث كان يعاني من تورم كبير في وجهه بسبب حبل تم ربطه برقبته عندما كان صغيرًا. ومع نمو الكلب، بدأ يختنق ببطء، حتى تورم وجهه بشدة، وانغرس الحبل في اللحم حتى لامس العظام”.
يقول محروس: “كانت تجربة صعبة، فقد استغرق الأمر ثلاث ساعات حتى تمكنت من تخديره والإمساك به. ثم أخذته إلى الطبيب، وكنت أرغب في قص الحبل الذي كان يخنقه بنفسي. تابعت حالته بعد ذلك ورأيت كيف تعافى واستعاد صحته، وعاد إلى نفس المكان مرة أخرى، ولكن دون أي قيود أو ورم. أشعر بنفس الفخر عندما أتذكر مشهد الكلب المسكين الذي أنقذته في منطقة قليوب بالقاهرة، حيث كان يعاني من ورم كبير في صدره، وعلمت بعد إنقاذه أنه كان يزن 7 كيلوغرامات.”
تعتبر قصة وليد محروس تجسيدًا حيًا للرحمة والشجاعة والتفاني في خدمة الكائنات الحية. فقد أظهر شجاعة كبيرة عندما خاطر بحياته لإنقاذ كلب ضال من موت محتم داخل بئر عميق. ولم يكن عمله النبيل مجرد حادثة عابرة، بل هو نتيجة سنوات من الجهد والإخلاص في إنقاذ الحيوانات وتخفيف معاناتها.