ما سبب انخفاض اهتمام منصات التواصل الاجتماعي بالمحتوى السياسي؟
أثار انخفاض الزيارات إلى المواقع الإخبارية من خلال روابط وسائل التواصل الاجتماعي تساؤلات حول تأثير ذلك على الناشرين، خاصة مع تزايد الاعتماد على هذه المنصات كوسيلة لترويج ونشر المحتوى الإعلامي. وقد ربط بعض الخبراء هذا التراجع بتناقص اهتمام منصات التواصل بالمحتوى الإخباري والسياسي، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة بين وسائل التواصل الاجتماعي والناشرين على عائدات الإعلانات. وأكدوا على أهمية وجود بدائل فعالة لترويج المحتوى الإعلامي.
رصدت منصة تحليلات مواقع التواصل الاجتماعي “تشارت بيت” تراجعاً في معدل الزيارات القادمة من روابط “السوشيال ميديا” إلى حوالي 700 موقع إخباري أميركي، حيث انخفضت هذه الزيارات بمقدار الثلث منذ يناير 2023. ونتيجة لذلك، تراجعت حصة منصات التواصل في جذب الزيارات إلى 4% بدلاً من 6%. جاء ذلك في تقرير نشره معهد “نيمان لاب” الأميركي المتخصص في دراسات الصحافة الأسبوع الماضي. وأشارت “تشارت بيت” إلى أن الزيارات إلى المواقع الإخبارية عبر “فيسبوك” قد انخفضت بنسبة 40% منذ يناير من العام الماضي.
مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات العربية المتحدة، أشار في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى وجود انخفاض ملحوظ في عدد الزيارات التي تأتي من منصات التواصل الاجتماعي إلى المواقع الإخبارية. وذكر كيالي سببين رئيسيين لهذا التراجع: الأول يتعلق بالجانب التجاري، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تعتبر المواقع الإخبارية والناشرين كمنافسين لها في جذب المستخدمين. وأوضح أن هذه المنصات ترى أن المستخدمين الذين يتواجدون لديها هم ملك لها، وبالتالي تسعى للحفاظ عليهم داخل تطبيقاتها لأطول فترة ممكنة، لأن انتقال المستخدمين إلى مواقع خارجية قد يؤثر سلباً على إيراداتها الإعلانية.
وفي المقابل، يشير كيالي إلى أن “المواقع الإخبارية والناشرين يعتقدون أن منصات التواصل الاجتماعي تحقق فوائد من خلال إعادة نشر المحتوى الإعلامي بشكل مجاني، رغم أن إنتاج الأخبار يتطلب فرقاً صحفية وإجراءات مراجعة وتدقيق تكلف المؤسسات الإعلامية مبالغ كبيرة”.
وأضاف الخبير كيالي أن “السبب الثاني يتعلق بالاعتبارات السياسية، حيث تتبنى منصات التواصل الاجتماعي سياسات دول معينة وتدعم أجندتها، والتي قد لا تتماشى مع السياسات التحريرية للمواقع الإخبارية. هذا الأمر أدى إلى قلق منصات التواصل الاجتماعي من الناشرين، مما ساهم في تقليل عدد الزيارات إلى روابط الأخبار”.
ثم أضاف: «توجد حالة من الفتور، تصل أحياناً إلى حد العداء، بين المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تسير هذه العلاقة وفق مفهوم شر لا بد منه وحتى الآن، لم تتمكن المواقع الإخبارية من إيجاد مصدر ثانٍ قوي مثل منصات التواصل الاجتماعي لتسويق محتواها، على الرغم من محاولات (غوغل) دعم الناشرين ومواقع الأخبار بخدمات جديدة». واستمر كيالي في شرحه قائلاً: «… ومن جانبها، لا تستطيع منصات التواصل الاجتماعي الاستغناء عن الناشرين، خاصة أن العديد من المستخدمين يتابعون الأخبار عبر هذه المنصات، مما يعني أنها قد تخسر عدداً من المستخدمين إذا قررت الانفصال تماماً عن الناشرين. وهكذا، نجد أن كلا الطرفين في موقف خاسر… فبينما تخسر منصات التواصل الاجتماعي المتابعين الذين يأتون إليها لقراءة الأخبار والتفاعل معها، مما يؤدي إلى انخفاض عائدات الإعلانات، تعاني المواقع الإخبارية من نقص في معدل الزيارات، في ظل عدم وجود حلول بديلة لجذب قراء جدد».
من المهم الإشارة إلى أن موقع “معهد نيمان لاب” نقل عن براد سترايشر، مدير المبيعات في “تشارت بيت”، قوله إن “محركات البحث التي تسيطر عليها خدمة بحث (غوغل) لا تزال تستحوذ على الحصة الأكبر من توجيه الزيارات إلى المواقع الإخبارية… كما أن خدمة (غوغل ديسكفر) المتاحة على تطبيقات الهواتف المحمولة أصبحت واحدة من المصادر الرئيسية لتوجيه الزيارات إلى هذه المواقع”.
في هذا السياق، أشار أحمد عصمت، الخبير في الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، إلى أن خدمة «غوغل ديسكفر» تمثل ابتكاراً جديداً يختلف عن خدمات البحث التقليدية التي تقدمها غوغل، وهي موجهة لمستخدمي الهواتف المحمولة ولا تزال في مرحلة التجريب، مما يجعل من الصعب حالياً تقييم تأثيرها على زيادة الزيارات للمواقع الإخبارية بدقة. كما أشار عصمت إلى أن الانخفاض في الزيارات القادمة من الروابط المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي يعود إلى تراجع اهتمام هذه المنصات بالأخبار، وخاصة منصة «ميتا» التي تدير كل من «فيسبوك» و«إنستغرام». وللتصدي لتأثير منصات التواصل على الناشرين، أكد عصمت على أهمية أن تسعى المواقع الإخبارية لإيجاد طرق بديلة لتسويق وترويج محتواها، والاعتماد على قدراتها الذاتية في هذا المجال بعيداً عن منصات التواصل.
تتجه منصات التواصل الاجتماعي نحو تقليل التركيز على الأخبار لصالح المحتوى الترفيهي، كما أشار مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، في عام 2021. حيث ذكر أن “أكثر التعليقات شيوعاً التي تتلقاها الشركة هي أن الناس يفضلون تقليص عدد المنشورات السياسية المثيرة للجدل”.