دراسة: التعرض للمعادن يرفع من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
تمت الإشارة إلى أن التعرض للمعادن الثقيلة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض السرطان، والأضرار العصبية، والمشاكل الإنجابية أو التنموية. وفي الوقت الحالي، تضيف نتائج دراسة جديدة إلى الأبحاث المتزايدة، حيث تشير إلى أن التعرض لمعدن مثل الكادميوم واليورانيوم والنحاس قد يكون له علاقة أيضًا بأحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم: أمراض القلب والأوعية الدموية.
وفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة Journal of the American College of Cardiology يوم الأربعاء، فإن التعرض لهذه المعادن، والذي قد يكون ناتجًا عن مصادر مثل تدخين السجائر، ومياه الشرب، والتلوث، وبعض الأطعمة أو المنتجات الاستهلاكية، يرتبط بتراكم الكالسيوم في الشرايين التاجية.
كتب أطباء القلب، د. سدير الكندي وخرام ناصر من مركز الأبحاث هيوستن ميثوديست، والدكتور سانجاي راجاغوبالان من مستشفيات جامعة هارينغتون للقلب والأوعية الدموية في كليفلاند، في تعليق تحريري مرفق بالدراسة، على الرغم من أنهم لم يشاركوا في البحث: “إن حجم هذه الارتباطات مذهل، حيث يمكن مقارنته بتلك التي تم ملاحظتها في عوامل الخطر التقليدية”.
خطر تراكم الكالسيوم
يؤدي تراكم الكالسيوم في الشرايين التاجية إلى تصلب الشرايين، وهو مرض مزمن والتهابي يؤثر على الأوعية الدموية، حيث يتسبب في تضييق جدران الشرايين مما يؤدي إلى تقليل تدفق الدم. يمكن أن يؤدي الانسداد الجزئي أو الكامل لهذه الشرايين إلى مشكلات صحية خطيرة مثل السكتة الدماغية وأمراض القلب التاجية، والتي قد تؤدي بدورها إلى عدم انتظام ضربات القلب، أو السكتة القلبية، أو قصور القلب.
وفي تصريح صحفي، أكدت الدكتورة كاتلين ماكغرو، المؤلفة الرئيسية للدراسة وعالمة أبحاث ما بعد الدكتوراه في علوم الصحة البيئية بكلية ميلمان للصحة العامة في جامعة كولومبيا، أن “نتائجنا تبرز أهمية اعتبار التعرض للمعادن كعامل خطر رئيسي لتصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية”.
أشار مؤلفو الدراسة إلى أن الملوثات البيئية تُعتبر بشكل متزايد عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، إلا أن العلاقة بين المعادن وتكلس الشريان التاجي لا تزال “غير مفهومة إلى حد كبير”.
وتوقعوا أن المستويات المرتفعة من المعادن غير الأساسية مثل الكادميوم والتنغستين واليورانيوم، بالإضافة إلى المعادن الأساسية مثل الكوبالت والنحاس والزنك، التي تم ربطها سابقًا بأمراض القلب والأوعية الدموية، قد تكون مرتبطة بتكلس الشرايين.
العلاقة بين المعادن الثقيلة وصحة القلب
قام فريق البحث بتحليل بيانات 6418 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 45 و84 عامًا، والذين شاركوا في دراسة متعددة الأعراق حول تصلب الشرايين في مدن مثل بالتميور وشيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك وسانت بول في مينيسوتا، بالإضافة إلى وينستون سالم في كارولاينا الشمالية، وذلك خلال الفترة من يوليو 2000 إلى أغسطس 2002.
خلال هذه الدراسة، قدم المشاركون عينات من البول، ثم خضعوا لقياس مستوى الكالسيوم في شرايينهم أربع مرات على مدار 10 سنوات. ولم يكن المشاركون يعانون من أي أمراض قلبية وعائية سريرية في بداية الدراسة.
يفترض أن يكون مستوى الكالسيوم الطبيعي في الشريان التاجي صفرًا، مما يدل على عدم وجود تكلس في الشرايين. بينما تشير الدرجات من 1 إلى 99 إلى وجود خطر خفيف للإصابة بمرض الشريان التاجي. في بداية الدراسة، كان متوسط مستوى الكالسيوم في الشريان التاجي 6.3.
وجد الباحثون أنه عند المقارنة بين المشاركين الذين لديهم أقل مستويات من الكادميوم في البول، كانت مستويات التكلس لدى أولئك الذين سجلت لديهم أعلى كميات من الكادميوم في البول أعلى بنسبة 51% في بداية الدراسة، وارتفعت بنسبة 75% على مدار عشر سنوات.
كما ارتبطت المستويات المرتفعة من التنغستين واليورانيوم والكوبالت في البول بزيادة مستويات تكلس الشرايين التاجية، حيث كانت النسب 45% و39% و47% على التوالي خلال فترة المتابعة. أما بالنسبة للأشخاص الذين لديهم أعلى كميات من النحاس والزنك في البول، فقد زادت مستويات التكلس بنسبة 33% و57% على مدى عشر سنوات.
استمرت جميع هذه النتائج قائمة بعد أن قام المؤلفون بدراسة الخصائص الاجتماعية والديموغرافية، بالإضافة إلى جوانب نمط الحياة وعوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل مرض السكري، وارتفاع مستويات الكوليسترول، وضغط الدم، والأدوية المستخدمة لعلاج ضغط الدم.
وأشار الدكتور أندرو فريمان، طبيب القلب ومدير برنامج الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية في مؤسسة الصحة اليهودية الوطنية في دنفر، والذي لم يشارك في البحث، إلى أن هذه الدراسة قد تساعد أطباء القلب في التعامل مع “معايير جديدة” في تقييم وعلاج صحة القلب لدى المرضى. وأوضح أن ما قد يقوم به أطباء القلب في المستقبل، بالإضافة إلى فحص ضغط الدم والعمر والوزن ومستويات الكوليسترول والسكري، هو قياس مستويات النحاس والمنغنيز أو الكادميوم.
على الرغم من أن الدراسة تشير إلى وجود ارتباط، إلا أنها لا تثبت وجود علاقة سببية، كما أشار الكندي وناصر وراجاغوبالان في تعليقهم التحريري. وأوضح الباحثون أن “الآليات المحتملة التي قد تسهم بها هذه المعادن في تطور تصلب الشرايين لا تزال بحاجة إلى مزيد من التوضيح”. ومع ذلك، يعتقدون أن وجود المعادن الثقيلة قد يسهم جزئيًا في تصلب الشرايين من خلال زيادة مستويات الالتهاب.
مشكلة قياس مستويات المعادن في البول
أشار كل من الكندي وناصر وراجاغوبالان إلى أن الدراسة تواجه بعض القيود الأخرى. فقد تم إجراء تقييمات لمستويات المعادن في البول بشكل رئيسي في بداية الدراسة، مما قد لا يعكس بشكل كامل أنماط التعرض على المدى الطويل.
ومع ذلك، أوضح المؤلفون أن الكادميوم في البول يعد عادةً مقياسًا موثوقًا للتعرض طويل الأمد، حيث يظهر تباينًا منخفضًا مع مرور الوقت.
وقالت ماكغرو لشبكة CNN: “حصل فريق الدراسة على منحة لقياس المعادن في البول لجميع المشاركين في بداية الدراسة، ولحوالي 10٪ من المشاركين خلال الزيارة الخامسة في دراسة تصلب الشرايين متعددة الأعراق”. وتعتمد النتائج الرئيسية على قياسات البول التي أجريت في البداية فقط، بينما أظهر تحليل ثانوي لمجموعة فرعية صغيرة من المشاركين نتائج متسقة لكنها لم تكن ذات دلالة إحصائية.
وأشارت ماكغرو إلى أنه “للأسف، فإن مراقبة التعرض البيولوجي تتطلب تكاليف مرتفعة، ولا يتوفر لدينا حالياً التمويل الكافي لقياس المؤشرات البيولوجية للتعرض على مدى السنوات العشر الماضية”.
تقليل التعرض للمعادن الثقيلة
أوضح الكندي وناصر وراجاغوبالان أن الدراسة تؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات شاملة في مجال الصحة العامة.
وأشاروا إلى أن هذه الإجراءات تشمل:
تقليل “الحدود المسموح بها للمعادن في الهواء والماء”،
تعزيز تطبيق القوانين المتعلقة بتقليل تلوث المعادن، خاصة في المجتمعات التي تواجه تعرضًا غير متناسب.
كما لفتوا إلى أن “التدابير الصحية العامة التي أدت إلى تقليل التعرض للمعادن قد أسفرت عن انخفاض في معدلات وفيات أمراض القلب والأوعية الدموية”.
بالإضافة إلى التعرض للمعادن من الهواء ومياه الشرب، تشير الدراسة إلى أن التلوث الواسع النطاق بالمعادن مثل الكادميوم، والتنغستين، واليورانيوم، والكوبالت، والنحاس، والزنك ينجم بشكل كبير عن الاستخدامات الزراعية والصناعية، بما في ذلك الأسمدة، والبطاريات، وإنتاج النفط، والتعدين، وإنتاج الطاقة النووية.