منوعات

رواية فرنسية تتناول قسوة الخذلان وضعف المشاعر.

صدر عن دار «العربي» للنشر في القاهرة طبعة جديدة من رواية «المغفلون» للكاتب الفرنسي إريك نويوف، بترجمة لطفي السيد منصور. وفي تقديمه للرواية، يشير المترجم إلى حوار لميلان كونديرا، حيث يتحدث عن أشكال الرواية في القرن الثامن عشر، ويؤكد أن «رواية الرسائل» التي تعتمد على الرسالة كعنصر أساسي، منحت حرية شكلية كبيرة، إذ يمكن أن تحتوي الرسالة على مجموعة متنوعة من المحتويات مثل التأملات والاعترافات والذكريات والتحليلات السياسية والأدبية. ويعتقد المترجم أن هذه الحرية، بالإضافة إلى التعبير عن موجة غضب الراوي الذي فقد حبيبته وذاكرته المضطربة، هي ما دفع المؤلف لاختيار شكل الرسالة كأساس لبناء روايته.

تعتبر الرواية رسالة طويلة يوجهها بطلها، الراوي الشاب الذي يبلغ من العمر ثلاثين عامًا ويعمل في وكالة للدعاية والإعلان، إلى الرجل الذي خطف حبيبته الجذابة والمتقلبة “مود”، والذي التقاه أثناء قضاء الأخير عطلة في جزيرة قريبة من مدينة روما. في البداية، لم يكشف الرجل عن هويته الحقيقية، لكن سرعان ما تبين أنه سيباستيان بروكينجر، كاتب أمريكي مشهور اختار الانسحاب من الحياة العامة والاختفاء في غابة ليعيش حياة هادئة بعيدة عن ضجيج الشهرة.

تبدو القصة العامة هنا كوسيلة فنية استخدمها الكاتب للتعبير عن آرائه وتساؤلاته حول العالم، وما إذا كنا نعيش في عصر يتآمر علينا. كما يتناول كيف أصبحت الحياة أشبه بشريط سينمائي لا نعرض فيه سوى لقطة واحدة، مما يمنعنا ومنع الآخرين من التأمل فيها وفهمها بشكل كامل. الرواية بشكل عام قصيرة، مكتوبة بأسلوب رشيق ومكثف، وتحتوي على أقوال مأثورة تتراوح بين الجمال وخيبة الأمل. تتداخل فيها المشاعر مع اللامبالاة، في سرد سريع وعنيف أحياناً، يتسم بالتوتر والعصبية. تأتي الأحداث غير مرتبة، بل تتبع صعود وهبوط الحالة النفسية للراوي وذاكرته وما يتبادر إلى ذهنه.

تمكن الكاتب من اختيار وظائف شخصياته بشكل مميز؛ فالحبيب يعمل في مجال الدعاية والإعلان، وهي مهنة تعرض وتبيع كل شيء، حتى الأشياء المتناقضة، وتستطيع إقناعك بشراء ما لا تحتاجه. أما الحبيبة التي فقدها، فتعمل في تسويق العقارات، وهو مجال مشابه يعتمد على مبدأ البيع بأي وسيلة. من جهة أخرى، الكاتب الأمريكي الثري استطاع بفضل مهنته أن يثير إعجاب “مود” بثروته وممتلكاته وهالته الغامضة، حيث يستلهم أيضاً من مهنة البيع أو التسويق ليغري الفتاة بشراء رجل مسن وترك شاب في الثلاثينيات من عمره.

إريك نويوف هو كاتب وصحفي فرنسي وُلد عام 1956، وبدأ مسيرته الأدبية في عام 1980، حيث كتب حوالي 20 عملاً أدبياً، من بينها هذه الرواية التي نُشرت لأول مرة في عام 2001، وحازت على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية.

من أجواء الرواية نقرأ:

«عندما أعود للتفكير في مود، يتبادر إلى ذهني شارع ميزيير، حيث أرى سيارتها الصغيرة في مرآب السكان، تحمل الملصق الأصفر على زجاجها الأمامي وساعتها التي كانت تتأخر بها ساعة كل صيف. أتذكر الأطفال الذين لم نرزق بهم، والذين كانوا سيلعبون في حديقة لوكسمبورغ القريبة جداً. مود، أرجوكِ توقفي عن التحديق من فوق كتف سيباستيان، أنا أعرفكِ… اتركي لنا المساحة، فنحن في جلسة مخصصة للرجال فقط. سيباستيان سيخبركِ بكل التفاصيل بمجرد انتهاء الجلسة. قُل لها يا سيباستيان، اذهبي لتُخرجي الكلب العجوز الذي ينام عند قدميكِ بينما تكتبين على الآلة الكاتبة.»

أعلم أنك وُلدت يا عزيزي في عام 1929، أو شيء من هذا القبيل. لقد قمت بالتلاعب بجميع سجلاتك في مدرسة الليسيه التي كنت تدرس فيها. المدير رفض تزويدنا بأي معلومات عنك، كما أن السجل العسكري الخاص بك يبدو أنه غير متاح بطريقة غامضة. المكتب الذي كان يحتوي عليه احترق، ولم يتبق أي أثر لملفك الجامعي. نشرت أولى قصصك في صحيفة الطلبة عندما كنت بالكاد في العشرين من عمرك، وكانت القصة تتحدث عن الانتحار وسمك القراميط. في فترة ما، كنت تعمل على مركب يبحر في عرض البحر الكاريبي، وكانت الكبائن مليئة بالمتقاعدين الذين يرتدون شورتات قصيرة، ونصفهم لا يغادر حافة المرسى. كان من المفترض أن تكون مرشدهم الخاص، وأرى أن هناك لغزًا في ذلك، فمن الواضح أنك تمسكت بهذه الوظيفة لتضيف إنجازًا جيدًا إلى سيرتك الذاتية.

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons
Translate »