من أوكرانيا إلى اليابان.. مقابلة مع وزير الدفاع الإيطالي
المصدر. ديكود39
مقابلة حصرية مع وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو: “لدينا واجب أخلاقي لمواصلة دعم الشعب الأوكراني”، كما توقع كيفية هيكلة الشراكة الاستراتيجية مع اليابان وأكد اهتمام الحكومة بالشرق الأوسط والبلقان والتوجهات حول الفضاء والأمن السيبراني والدفاع الأوروبي…
وأشاد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، خلال محادثة هاتفية مع وزير الدفاعالإيطالي جويدو كروسيتو، في وقت سابق، بالتزام إيطاليا تجاه أوكرانيا.
وتلقى كروسيتو من العديد من المحاورين الدوليين الذين التقى بهم خلال بضعةأشهر من توليه مهام منصبه إشادات كهذه. وزير الدفاع الإيطالي يتحدث فيهذه المقابلة الحصرية عن هذا، ولا يتعلق الأمر فقط بالدعم الكامل لأوكرانيا. لكنهناك عملًا منظمًا يرى البلد وحكومته كرواد على المستوى العالمي. من اليابانإلى البلقان مروراً بإسرائيل والعراق.
و إلى المقابلة مع موقع “ديكود 39″ الإيطالي:
سيادة الوزير، في 24 فبراير المقبل سيكون قد مر عام على غزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي يعمل على تقويض اليقين في أوروبا ويخلق معاناة رهيبة لدى الشعبالأوكراني. إيطاليا مع الولايات المتحدة وحلفائها كانت من بين الدول الأقرب إلىكييف والدفاع عن ديمقراطيتها. وذلك أيضًا عبر إرسال مساعدات عسكرية. مسألة الدعم العسكري الإيطالي لأوكرانيا تسلط الضوء على بلادنا، فكيفسيتواصل التزام بلدنا؟
أمام العدوان الروسي على أوكرانيا، إيطاليا لم تكن تستطيع أن تظل غير مباليةولذلك قررت بالاتفاق المشترك مع المجتمع الدولي وشركائنا الرئيسيين (حلف الناتووالاتحاد الأوروبي) مساعدة الشعب الأوكراني. الحرب الروسية تهدد قيم السلاموالاستقرار في القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتعايش السلميبين الدول وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ سلامة أراضي الدول وعدم انتهاكحدودها، التي لا يمكن تغييرها بالعدوان وأعمال القوة في تحد للقانون الدولي. لذلك تساهم بلادنا في المقاومة في كييف عبر إرسال مساعدات ليست فقطمعدات عسكرية ولكن مدنية أيضًا مثل المولدات لإضاءة المدن من جديد.
أمام الحرب، يجب ألا يكون هناك انقسامات بين الأغلبية والمعارضة. ما يوجد هوإيطاليا وعمل حكوماتها وقرارات برلمانها الذي قرر بأغلبية ساحقة وفي ظلاستمرارية مؤسسية كاملة استكمال تنفيذ مرسوم المساعدة الخامس الذيأصدرته الحكومة السابقة في عام 2022، والذي حظي في هذه الأيام بتغطيةمالية كاملة بقرار برلماني جديد لعام 2023 بالكامل تمهيدًا لصدور مرسومسادس. إيطاليا وأعلى مؤسساتها الديمقراطية (الحكومة والبرلمان) تؤكد علىاستعدادها لمواصلة دعم أوكرانيا حتى التئام هذا الجرح وإنهاء هذه الهمجية فيقلب أوروبا.
خلال الاجتماع القادم لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية في رامشتاين بألمانياسنقرر مع الحلفاء إرسال المزيد من المساعدات التي بالنسبة للجانب الإيطاليستتحول إلى مرسوم سادس محتمل. رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني كانتواضحة للغاية في التأكيد على أن إيطاليا تحتل مكانة قوية في الحلف الغربيوفي أوروبا: الالتزامات التي تعهدت بها بلادنا وحافظت عليها على مدى عقودسيتم احترامها. شيء واحد مؤكد: لدينا واجب أخلاقي لمواصلة دعم الشعبالأوكراني لتحقيق سلام عادل يحترم القانون الدولي وتقرير مصير الشعوبوحريتهم في أن يقرروا العيش بطريقة حرة وسلمية.
التعاون الإيطالي مع اليابان حول مقاتلة الجيل السادس (Gcap) يوجه بلادنامباشرة إلى منطقة الهندي والهادئ. مصلحة ليست صناعية فقط لكن عسكريةأيضًا. كيف ستتحرك إيطاليا في تلك المنطقة؟
اليابان دولة صديقة وشريك ذو أهمية مركزية واستراتيجية لمصالح إيطاليا. سيجري إطلاق آلية ثنائية للتشاور الدفاعي الخارجي بين بلدينا قريبًا. الاتفاقالذي وقعته حكومات إيطاليا والمملكة المتحدة واليابان لبناء طائرة من الجيلالسادس (البرنامج الجوي القتالي العالمي) قد يمثل قوة دافعة مهمة للعلاقاتالتجارية والاقتصادية بين روما وطوكيو. سيكون للبرنامج تأثيرات مهمة علىالقطاعات الإنتاجية (في القطاع المدني أيضًا) ومجالات البحث والتطوير. لكنإيطاليا ستتمكن من مواصلة هذا المسار فقط في حال كان لها نفس الثقل معتقاسم الأعباء بالتساوي بين الشركاء الثلاثة المذكورين. من الضروري العمل علىفرضية التقارب بين برنامج Gcap مع البرنامج الفرنسي الألماني والإسباني: فالمنطقة الأوروبية الأطلسية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ تجمعهما روابطوثيقة لا تنفصم عراها من وجهة نظر أمنية وليس فقط أمنية.
هل الوضع في البلقان يعد مصدر قلق لروما؟ وما نوع الالتزام الذي تعتزمالحكومة وضعه لمنع المزيد من التصعيد؟
في السنوات العشرين الماضية كان وجود الوحدات الإيطالية في مهمة “كوفور” ضروري لاستقرار البلقان. مع نحو 800 جندي بما في ذلك القوات البرية والكاربنيري نحن أكبر دولة تساهم في المهمة منذ أكتوبر ونتولى قيادتها للمرةالثالثة عشرة، في علامة واضحة على وجودنا كما تعد قيادتنا مركزية في هذهالمنطقة.
نريد استئناف دور استراتيجي وهو أساسي أيضًا لتهدئة التوتر الدبلوماسيالحالي بين صربيا وكوسوفو. لذلك ذهبت أنا ووزير الخارجية أنطونيو تاجاني إلىصربيا وكوسوفو في نوفمبر الماضي. إنها المرة الأولى لوزير الدفاع والشؤونالخارجية معًا. هذا يشير إلى الاهتمام الذي توليه بلادنا لهذه المنطقة من أوروبا، فهي مهمة للغاية ولذلك لا يمكن تركها بمفردها في هذه الفترة العصيبة. الهدفهو جعل كوسوفو وصربيا تجلسان حول الطاولة ويتوصلان إلى اتفاق دون أنيشعر أي منهما بمعاملة مختلفة. إن تنظيم مؤتمر البلقان الذي سيعقد فيتريستي في الأيام المقبلة يسير في هذا الاتجاه. إيطاليا تريد أن تعزز معحلفائها سلسلة من المبادرات السياسية التي يمكن أن تخفف الخلافات ولحظاتالتوتر، مع إشراك صربيا وكوسوفو أكثر من أي وقت مضى في طريق التكاملالأوروبي.
خطر عدم الاستقرار في البحر المتوسط يعد مسألة ذات أهمية كبيرة لإيطاليا كونهالامتداد الطبيعي لبلدنا. روما تعطي اهتماماً خاصًا لتطورات ليبيا وتونس. هلالحل لمشاكل البحر المتوسط يمر بالتعاون مع دول الشرق الأوسط والخليج؟
أمن البحر المتوسط الذي يكتسب أهمية حيوية بالنسبة لنا يعاني من تداعياتخطيرة من الصراع في أوكرانيا الذي أدى إلى تفاقم التوترات الموجودة بالفعل فيالمنطقة. لهذا السبب أنا متأكد من أنها منطقة من الواجب حمايتها، فأمنهاإستراتيجي لأوروبا ولكل الدول المجاورة لهذا البحر الذي هو أحد الأعمدة الفقريةالحيوية للاتصالات وإمدادات الطاقة وطرق التجارة. أعتقد بشدة أن أوروبا يجبأن تستثمر بطريقة فعاله في أفريقيا لأنه فقط من خلال تشجيع نمو نصيب الفردمن الناتج المحلي الإجمالي ونمو الاقتصاد والثقافة في البلدان الأفريقية سيكونمن الممكن المساهمة في ضمان الاستقرار والنمو في القارة بأكملها الأمر الذييسهم في تقليل التوترات أيضًا في حوض البحر المتوسط.
النمو الاقتصادي لأفريقيا، مع تبني الاتحاد الأوروبي لسياسة براغماتيةوموحدة، هو أساسي لحل مشكلة أبعادها متنامية وهي الهجرة وأيضًا الاختراقالاقتصادي والتجاري والجيوسياسي من قبل بعض الدول الأخرى المنافسة لنا. لسوء الحظ أوروبا تستثمر سبعة أضعاف ما تستثمره الصين في إفريقيا وخمسةوعشرين ضعفًا ما تستثمره روسيا ولكن مع نتائج مختلفة تمامًا، فللصينوروسيا (وليس أوروبا) وجود مهم في إفريقيا.
في الجانب الشرق أوسطي نتطلع باهتمام خاص لعملية الاستقرار في العراقوالتي هي مصلحة إستراتيجية لأمن منطقة الخليج بأكملها. نتولى منذ مايو2022 قيادة مهمة حلف الناتو في العراق ونحن أيضًا من بين المساهمينالرئيسيين في مهمة الأمم المتحدة في لبنان وهو جهد سيستمر في المستقبل.
مع الاتفاقيات الإبراهيمية لعبت إسرائيل دورًا في تحقيق الاستقرار بالنسبة إلىالعالم العربي، ومن المتوقع أن تزيد من تأثيرها. يعتبر هذا البلد بمثابة طرفمركزي لمستقبل منطقة الشرق الأوسط وشريك رائد للعالم الغربي من خلال تعاونصناعي وثيق في مجال التكنولوجيا والدفاع. هل تتوقع علاقة أقوى بين إسرائيلوإيطاليا في هذا المجال؟
الاتفاقيات الإبراهيمية تعد خطوة مهمة إلى الأمام من أجل السلام والاستقرار فيالشرق الأوسط. العلاقات بين إيطاليا وإسرائيل تكتسب أهمية مطلقة وبالأخصفي ظل التغيرات في المشهد الجيوسياسي. العلاقات الثنائية بين إيطالياوإسرائيل تكتسب أهمية حاسمة في تحقيق الأمن وتنفيذ أنشطة التعاون فيجميع القطاعات بما في ذلك الدفاع. التعاون الصناعي بين إيطاليا وإسرائيلاليوم وثيق وضروري وذلك أيضًا بفضل المذكرات الموقعة بين البلدين.
إيطاليا حاضرة في الشرق الأوسط مع جنودها في لبنان على الخط الأزرقولذلك تسهم في استقرار المنطقة وأمنها. الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بينإسرائيل ولبنان بعد سنوات من المفاوضات المكثفة يمثل نتيجة تاريخية. إنه نقطةتحول مهمة في العلاقات بين البلدين حيث يمكن أن تمثل ليس فقط عاملاً منعوامل الاستقرار في المنطقة ولكن أيضًا للنمو الاقتصادي، مع استغلال مواردالطاقة في مياه شرق البحر المتوسط.
تدخلتم في مسألة الأخبار المزيفة التي أطلقتها الدبلوماسية الروسية ضد روما. مشاهد الحرب الهجينة والمعلومات المضللة التي تقوم بها روسيا والصين أصبحتشائعة. ما الإجراءات المضادة التي تنوي حكومة ميلوني تبنيها؟
النشاط الروسي دعائي ومغرض ضد بلدنا. إنها أخبار كاذبة تهدف إلى تقويضإجماع الرأي العام الإيطالي على دعم أوكرانيا. ليس نشاطًا جديدًا ويمثلاستراتيجية روسية حيث تواصل إيطاليا وحلفاؤها تطوير أدوات لمواجهة المعلوماتالمضللة بشكل فعال والتي أصبحت أداة لأسوأ دعاية لتشويه السمعة. أفضل دواءهو التعمق في قراءة الأخبار وهي مهمة يجب أن تقوم بها وسائل الإعلام دائمًا ولاسيما في هذه اللحظة التاريخية لكي لا تتعرض لخطر المساهمة في الدعايةالخبيثة أحيانًا.
السفارة الروسية مثلاً كتبت أننا نزود أوكرانيا بالألغام المضادة للأفراد. إنهااخبار كاذبة وخطيرة للغاية. إيطاليا حظرتها منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًاوتلتزم بالاتفاقيات الدولية التي تحظرها بصرامة ودقة. ضد هذه المعلومات المضللةالتي تأتي من جهات رسمية روسية (السفارة الروسية في إيطاليا ووزارةالخارجية) نقول بقوة “كفى!”. لا يمكن افتعال أخبار تشوه سمعة إيطاليا من أجلنشر دعاية عسكرية.
وبشكل عام، لا يمكن تناول الأحداث المأسوية مثل الأحداث الراهنة عبر نشرأخبار غير حقيقية أو ترويج خطاب مَن لهم مصلحة في التأثير على الرأي العاموطريقة تفكير الشعوب. تستخدم الحرب المعرفية حملات التضليل مع انتشارالأخبار الكاذبة التي تدعمها أنظمة الذكاء الاصطناعي. في الديمقراطية منالضروري منع حدوث ذلك. وللرد على هذه التهديدات أصدرت وزارة الدفاع مؤخرًاوثيقة تحدد نهج العمليات في جميع المجالات المرجعية (البرية والبحرية والجويةوالسيبرانية والفضائية) وكذلك في بيئة المعلومات والمجال المعرفي.
مجالات الدفاع الجديدة ضرورية للقيام بعمليات عسكرية في مثل هذه اللحظةالتاريخية. الأمر يتعلق بالفضاء و الأمن السيبراني. ما الخطوات التي يجب أنتتخذها إيطاليا في الدفاع عن هذه البيئات؟
الحرب الروسية الأوكرانية فرضت أيضًا اهتمامًا أكبر بالأمن والوصول إلىالفضاء والفضاء الإلكتروني. بدون قواعد تنظم هذه المجالات هناك خطر تدخل أونشاط الجهات الفاعلة غير الحكومية التي يمكنها العمل من خلال الاستفادة منالثغرات التشريعية. إنها فجوة يجب سدها في أسرع وقت ممكن. أضف إلى ذلكصعوبة التمييز بين التدخلات العرضية والتدخلات الممولة من قبل بعض الجهاتالحكومية. وحول الفضاء سوف نستثمر سبعة مليارات في السنوات الخمسالمقبلة وهو رقم كبير جدا بالنسبة لموازنة الدولة. نظام الفضاء الإيطالي يعد أحدمكونات الاستقلالية الاستراتيجية الإيطالية والأوروبية، ويجب إعادة إطلاقهباستمرار للحفاظ على مصداقية بلدنا. الفضاء هو مجال تنافسي بشكل متزايدحيث تواجه الدول صعوبات مختلفة عند التصرف بشكل مستقل أو الاعتماد فقطعلى قوتها ومواردها. من الضروري القيام بدور فعال في استراتيجية هذا القطاعوضمان استمرارية البرامج ذات الاهتمام الوطني والتعاون الأوروبي والدولي. إنهأمر يتطلب حقاً رؤية أوروبية وعالمية شاملة.
جورجيا ميلوني وأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أجريتامناقشة إيجابية حول خطة التعافي و الصمود. خطوة جديدة إلى الأمام ء تفاهمًاأكبر مع بروكسل، هل تستطيع إيطاليا إعادة تفعيل دورها في الدفاع المشترك؟ هل هو طموح لحكومة ميلوني؟ إلى أي نقطة وصلنا فيما يتعلق بمشروع الدفاعالأوروبي؟
في السيناريو الجيوسياسي الحالي يتحدى الفاعلون الاستبداديون مصالحبلداننا باستخدام أدوات متعددة: سياسية واقتصادية وتكنولوجية وعسكرية. إنالإعلان المشترك بشأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الذي تم توقيعهقبل أيام في بروكسل من قبل السيد شارل ميشال والسيدة أورسولا فون دير لاينوالسيد يانس شتولتنبرغ يؤكد أن الناتو هو أساس الدفاع الجماعي لأعضائهوللأمن الأوروبي الأطلسي وأن الناتو يدرك قيمة وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثرفاعلية يساهم في الأمن العالمي الأطلسي بطريقة تكميلية وقابلة للتشغيل معالحلف الأطلسي.
سيكون من الضروري إذًا تفادي أي تداخل غير مجدٍ في المهام في إطارتحالفاتنا التاريخية، كما نعمل في الوقت نفسه على تعزيز أوجه التآزر لبناءأوروبا أكثر قدرة على المنافسة في قطاع الصناعة الدفاعية، مثل تشجيع برامجالتعاون. نحن مقتنعون بأن الدفاع الأوروبي هو أحد الدعائم في الهيكل الأمنيالغربي ولكن أولاً من الضروري وجود سياسة خارجية مشتركة ونوايا مشتركةللمجتمع السياسي في الاتحاد الأوروبي.